بازگشت

ملاحظات في نص بعض الأحاديث


و قد نلتقي في بعض الأحاديث بصورة أخري من المنطق المنسوب الي الامام الكاظم (ع) و هو ما رواه في الكافي عن علي بن ابراهيم عن أبيه و العدة عن البرقي جميعا عن محمد بن خالد عن خلف بن حماد رواه أحمد أيضا عن محمد بن أسلم عن خلف بن حماد الكوفي قال: تزوج بعض أصحابنا جارية معصرا لم تطمث فلما افتضها سال الدم فمكث سائلا لا ينقطع نحوا من عشرة أيام قال: فأروها القوابل، و من ظنوا أنه يبصر ذلك من النساء فاختلفن فقال بعض: هذا من دم الحيض، و قال بعض: هو من دم العذرة [1] .

فسألوا عن ذلك فقهاءهم مثل أبي حنيفة و غيره من فقهائهم فقالوا: هذا شي ء قد أشكل و الصلاة فريضة واجبة، فلتتوضأ و لتصل وليمسك عنها زوجها حتي تري البياض فان كان دم الحيض لم تضرها الصلاة، و ان كان دم العذرة كانت قد أدت الفريضة ففعلت الجارية ذلك.

و حججت في تلك السنة، فلما صرنا بمني بعثت الي أبي الحسن موسي بن جعفر (ع) فقلت: جعلت فداك أن لنا مسألة ضقتا بها ذرعا فان رأيت أن تأذن لي فأتيك فاسألك عنها فبعث الي: اذا هدأت الرجل، و انقطع الطريق فأقبل ان شاءالله قال خلف: فرعيت الليل حتي اذا رأيت الناس قد قل اختلافهم بمني توجهت الي مضربه [2] .

فلما كنت قريبا اذا بأسود قاعد علي الطريق فقال: من الرجل؟ فقلت: رجل من الحاج فقال: ما اسمك قلت: خلف بن حماد فقال: ادخل بغير اذن فقد أمرني أن أقعد ههنا، فاذا أتيت أذنت لك، فدخلت فسلمت فرد علي السلام و هو جالس علي فراشه وحده، ما في الفسطاط غيره، فلما صرت بين يديه سألني و سألته عن حاله.

فقلت له: ان رجلا من مواليك تزوج جارية معصرا لم تطمث، فلما افتضها فافترعها سال الدم، فمكث سائلا لا ينقطع نحوا من عشرة أيام، و ان القوابل اختلفن في ذلك فقال بعضهن: دم الحيض و قال بعضهن دم العذرة فما ينبغي لها أن تصنع؟ قال: فلتتق الله، فان كان من دم الحيض فلتمسك عن الصلاة حتي تري الطهر وليمسك عنها بعلها، و ان كان من العذرة، فلتتق الله و للتوضأ و لتصل و يأتيها بعلها أن أحب ذلك، فقلت له: و كيف لهم أن يعلموا مما هي؟ حتي يفعلوا ما ينبعي؟ قال: فالتفت يمينا و شمالا في الفسطاط مخافة أن يسمع كلامه أحد قال: ثم نهد الي فقال: يا خلف سر الله فلا تذيعوه و لا تعلموا هذا الخلق أصول دين الله بل ارضوا لهم ما رضي الله لهم من ضلال قال: ثم عقد بيده اليسري تسعين، ثم قال تستدخل القطنة ثم تدعها مليا ثم تخرجها اخراجا رفيقا فان كان الدم مطوقا في القطنة فهو من العذرة و ان كان مستنقعا في القطنة فهو دم من الحيض، قال خلف: فاستخفني الفرح، فبكيت فلما سكن بكائي فقال: ما أبكاك؟ قلت: جعلت فداك من كان يحس هذا غيرك فرفع يده الي السماء و قال: والله اني



[ صفحه 63]



ما أخبرك الا عن رسول الله عن جبرائيل عن الله عزوجل [3] .

اننا نلاحظ في هذا الحديث الكلمة المنسوبة الي الامام «سر الله فلا تذيعوه و لا تعلموا هذا الخلق أصول دين الله بل ارضوا لهم ما رضي لهم الله من ضلال».

ان هذا المنطق - بظاهره - ليس منطق أئمة أهل البيت (ع) لأن الشريعة فيما تمثله من أحكام الله ليست أسرارا مخفية باطنية، يختص بها بعض الناس دون بعض، بل هي للناس جميعا، فلابد من تبليغهم اياها، بكل مفرداتها من قبل الرسول و خلفائه، بكل الوسائل الممكنة، و لا سيما مثل هذه الأحكام الفرعية التي لا تتصل بأي وضع عام حساس كقضية الخلافة و نحوها مما قد يبدو للذهن أن اثارتها في بعض الحالات قد تحدث بعض المشاكل العامة للناس أو لأهل الحق بالذات.

ان طبيعة المنطق هي أن يطلب الامام من هذا الرجل ايصال هذا الحكم الي من حوله من الناس الذين اختلفوا في هذه المسألة و لو بالطريقة التي لا ترتبط بالامام اذا كان هناك ما يمنع من نسبتها اليه، و ذلك بأن ينسبها الي بعض الاجتهادات الكثيرة الموجودة في الساحة، لأن المذهبية الشاملة لم تكن معروفة لدي الأمة أنذاك.

ثم ما معني و لا تعلموا هذا الخلق أصول دين الله بل ارضوا لهم ما رضي لهم الله من ضلال و كيف يمكن للناس أن يعرفوا أصول الدين، اذا انطلقت الدعوة في النهي عن التعليم للجاهلين منهم و الهداية للضالين منهم، و كيف نرضي لهم الضلال اذا كان ضلالهم ناشئا عن ابتعادهم الطبيعي عن المواقع الحقيقية للهداية الالهية، و قد يحتمل أن يكون المراد هو الناس الذين يرفضون اتباع - أهل البيت بحيث يرفضون أي مفهوم اسلامي، أو أي حكم شرعي منسوب اليهم لمجرد ارتباطه بهم بغضا و عداوة لهم، ليكون ضلالهم منطلقا من حالة عناد يعرف الحقيقة، و ينكرها، لا من



[ صفحه 64]



حالة حيرة يريد أن يبلغها بأي طريق...

و علي كل حال فان مثل هذه الظواهر التي توحي بالمنطق العكسي للنهج الذي يتحرك فيه الأئمة (ع) في منهجهم في الدعوة الي الله و في تبليغ كل الأحكام الشرعية للناس كافة و في مراقبة كل الانحرافات الطارئة فيما هو الخط المستقيم للشرعية لاعادة الناس اليه.

ان مثل هذه الظواهر تسي ء الي الصورة المشرقة للأئمة (ع)، لذلك فلا بد أن يكون الراوي قد أساء التعبير فيما فهمه من كلام الامام (ع) الذي كان يريد أن يتحدث عن المسألة في دائرة الضغوط التي كان الحكم يمارسها ضدهم، و المجتمع الذي كان يتبعه في ذلك، مما جعل الأئمة يبتعدون عن قيادة الحركة التثقيفية للأمة بالاضافة الي ابعادهم عن قيادة الحركة السياسية، الأمر الذي قد يجعل مسألة التعليم من شيعة أهل البيت مسألة خطرة علي الذين يقومون بهذه الرسالة.

و في ضوء هذه المناقشة فان من الضروري تقديم أمثال هذه الأحاديث الي القراء المسلمين، مع دراسة توضيحية، بمثابة الملحق للحديث، لالقاء الضوء علي طبيعة الظروف التي أملت علي الامام التحدث بمثل هذه الطريقة، و نوعية القضية التي يريد تركيزها بذلك، مع التأكيد علي ملاحظة مهمة، و هي: أن الرواة قد ينقلون الكثير من الكلمات بالمعني، و قد يغفلون عن نقل خصوصيات الجو، و طبيعة الايحاءات.

و في ضوء هذه المسألة نجب أن نشير الي كثير من الكلمات التي اعتاد الناس ترديدها في بعض الأدعية أو الأحاديث أو الزيارات مما يحمل بعض الكلمات القلقة التي قد توحي ظواهرها ببعض المفاهيم التي ليست مقصودة للمتكلم لأنها لا تنسجم في طبيعتها الظاهرية، مع المرتكزات العقيدية للمفاهيم الاسلامية.

و هنا نلاحظ أن البعض يضر علي ابقائها في التداول التقليدي للأدعية و الزيارت، لتأخذ طريقها - بعد ذلك - الي أذهان بعض الناس المعقدين من



[ صفحه 65]



التشيع و أهله، ليعتبروها أساسا للتشكيك بالعقيدة فيما يتحدثون عنه من الانحراف في عقيدة الغلو و نحوها... و يرون في هذه الكلمات شاهدا علي ذلك.

و نقدم أمام هذه الملاحظة ما يردده الناس في دعاء الفرج... الذي ينتهي بهذه الكلمات:

فرج عنا - ياالله - بحقهم فرجا عاجلا قريبا كلمح للبصر أو هو أقرب من ذلك يا الله يا الله يا الله، يا محمد يا علي يا علي يا محمد أكفياني فأنكما كافيان و انصراني فانكما ناصران..

ما الذي يوحي به هذا الكلام - بظاهره - غير أن هناك أستعانة بالنبي و بالامام علي في عرض الاستعانة بالله، و كيف يكفينا الرسول و الامام أو ينصرانا، اذا لم يكن الله هو الذي يريد أن يكفينا مما نخاف أو ينصرنا علي من نخاف منه.

اننا نؤكد أن المقصود بهذه الكلمات هو الاستشفاع بهما الي الله في الكفاية و النصرة، ولكن التعبير يوهم غير ذلك مما هو غير مقصود، فلماذا نصر علي ابقائه في التداول الشعبي الذي قد يركز في الذهن عقيدة غير واضحة فيما يمكن أن يسبق الي الذهن من هذه الظواهر في نص لم تثبت روايته من نبي أو أمام معصوم.


پاورقي

[1] العذرة - البكارة.

[2] المضرب: بكسر الميم، الخيمة العظيمة، جمع مضارب.

[3] بحارالأنوار ج 48 ص 113 - 112 (نقلا عن الكافي ج 3 ص 93).