بازگشت

مزاياه




مزاياه لا تحصي بعد كأنها

عطاياه ان وافي اليه المؤمل



اتفق جمهور الشيعة [1] علي أن الامام موسي بن جعفر عليه السلام كان أعبد أهل زمانه و أعلمهم و أفقههم و أكرمهم و أحلمهم، و لقد امتاز بهذه الخصال علي غيره من الناس.

أما ما ورد في عبادته فكثير عن الخاصة و العامة في كتبهم و تواريخهم، فمما جاء في عبادته صلوات الله عليه ما رواه المفيد في (الارشاد)، قال: كان أبوالحسن موسي عليه السلام أعبد أهل زمانه، حتي روي أنه كان يصلي نوافل الليل و يصلها بصلاة الصبح، ثم يعقب حتي تطلع الشمس، و يخر ساجدا فلا يرفع رأسه من السجود حتي يقرب زوال الشمس، و كان يدعو كثيرا فيقول: «اللهم اني أسألك الراحة عند الموت، و العفو عند الحساب»، و يكرر ذلك. و كان يبكي حتي تخضل لحيته بالدموع.

و كان الناس بالمدينة يسمونه زين المجتهدين، و كان أحسن الناس صوتا بالقرآن، و كان اذا قرأه يحزن و يبكي و يبكي السامعون لتلاوته [2] ... الي غير ذلك من عبادته.



[ صفحه 76]



و أما علمه؛ فقد ذكر المفيد في ارشاده قال: كان أبوالحسن موسي عليه السلام أفقه أهل زمانه، و أحفظهم لكتاب الله، و لقد سأله محمد بن الحسن الشيباني يوما بمكة بمحضر من الرشيد، فقال له: أيجوز للمحرم أن يظلل علي محمله؟ فقال عليه السلام: «لا يجوز له ذلك مع الاختيار»، فقال محمد بن الحسن: أفيجوز أن يمشي تحت الظلال مختارا؟ فقال له: «نعم»، فتضاحك محمد بن الحسن من ذلك، فقال له أبوالحسن موسي عليه السلام: «أفتعجب من سنة النبي صلي الله عليه وآله و تستهزئ أن رسول الله صلي الله عليه و آله كشف الظلال في احرامه و مشي تحت الظلال و هو محرم، و ان أحكام الله - يا محمد - لا تقاس، فمن قاس بعضها علي بعض فقد ضل سواء السبيل»، فسكت محمد بن الحسن لا يرجع جوابا [3] .

و عن أحمد بن حنبل أنه لما روي عنه قال: حدثني موسي بن جعفر، قال: حدثني أبي جعفر بن محمد، و هكذا الي النبي صلي الله عليه و آله، ثم قال أحمد: و هذا اسناد لو قرئ علي المجنون أفاق [4] .

و أما ما جاء في كرمه و سخائه عليه السلام: ذكر شيخنا المفيد قال: كان أبوالحسن موسي عليه السلام أوصل الناس لأهله و رحمه، و كان يفتقد فقراء المدينة في الليل فيحمل اليهم الزنبيل فيه العين [5] و الورق [6] و الأدقة [7] و التمور فيوصل اليهم ذلك و لا يعلمون من أي جهة هو [8] .



[ صفحه 77]



و يروي أنه جاء محمد بن عبدالله البكري الي المدينة، [فخرج اليه] [9] و معه غلام، فأطعمه و سأله عن حاجته، فأخبره، فقال للغلام: اذهب، و أعطاه صرة فيها ثلاثمائة دينار [10] .

و ذكر أبوالفرج الأصبهاني في كتابه (مقاتل الطالبيين) بسنده: أنه كان موسي بن جعفر عليه السلام اذا بلغه عن الرجل ما يكره بعث اليه بصرة دنانير، و كانت صراره ما بين الثلاثمائة الي المائتين دينار، فكانت صرار موسي مثلا [11] .

و عن (عمدة الطالب): كان أهله يقولون: عجبا لمن جاءته صرة موسي فشكا القلة [12] .

و أما حلمه؛ فقد ورد أنه عليه السلام اذا بلغه عن أحد شي ء بعث اليه بمال، حتي يروي أن رجلا من ولد عمر بن الخطاب كان بالمدينة، و كان يؤذي أباالحسن موسي عليه السلام و يسبه اذا رآه و يشتم عليا، فقال له بعض مواليه: دعنا نقتل هذا الفاجر، فقال: «لا»، ثم ركب حتي أتاه في مزرعة له و دخل مزرعته بحماره، فصاح: لا تدس زرعنا، فلم يصغ اليه، و أقبل حتي نزل عنده و باسطه و ضاحكه، و قال له: «كم غرمت في زرعك هذا؟»، فقال: مائة دينار، قال: «و كم ترجو أن تصيب؟»، قال: لست أعلم الغيب، قال: «انما قلت لك: كم ترجو؟» قال: أرجو أن يجي ء منه مائتا دينار. فأخرج أبوالحسن اليه صرة فيها ثلاثمائة دينار و قال: «هذا لك و زرعك علي حاله، يرزقك الله فيه ما ترجو».



[ صفحه 78]



فقام العمري و قبل رأسه و سأله الصفح عن فرطه، فتبسم اليه أبوالحسن عليه السلام و انصرف، ثم صار الي المسجد فوجد العمري جالسا، فلما رآه العمري قال: الله أعلم حيث يجعل رسالته، فقيل له: قد كنت تقول غير هذا، فقال: قد سمعتم ما قلت الآن، و جعل يدعو لأبي الحسن عليه السلام.

فقال أبوالحسن عليه السلام للذين سألوه في قتل العمري: «أيما كان خيرا، ما أردتم، أو ما أردت؟» [13] .



سيد لو أردت أدني معا

ليه بحصر لكنت أفني الطروسا



كم له من معاجز باهرات

قصرت دونها معاجز عيسي



نعم، هكذا كان الامام موسي بن جعفر، و لقد كان عليه السلام المثل الأعلي لشيعته.

أنا لا أدري كيف حال شيعته حين رأوه مسجي علي جسر بغداد و [للحديد] [14] خشخشة برجليه، و المنادي ينادي بذلك النداء.



أفك القوم بالنداء عليه

فانجلي ما تأولوا معكوسا



[ صفحه 79]




پاورقي

[1] انظر: الارشاد (ضمن سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد) 11 / 2: 231. الخرائج و الجرائح 2: 896. كشف الغمة في معرفة الأئمة 3: 2. منتهي الآمال في تواريخ النبي و الآل 2: 243.

[2] الارشاد (ضمن سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد) 11 / 2: 231، 235 بتفاوت يسير.

[3] الارشاد (ضمن سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد) 11 / 2: 231، 235 بتفاوت يسير.

[4] عيون أخبار الرضا 1: 179 / 6.

[5] العين: الذهب «منه رحمه الله». انظر: المصباح المنير 2: 440 - عين.

[6] الورق: الفضة. «منه رحمه الله». انظر: لسان العرب 15: 275 - ورق. المصباح المنير 2: 655 - ورق.

[7] الأدقة: جمع دقيق «منه رحمه الله». انظر: المصباح المنير 1: 197 - دقق.

[8] الارشاد (ضمن سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد) 11 / 2: 231 - 232.

[9] من المصدر.

[10] انظر: الارشاد (ضمن سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد) 11 / 2: 232. تاريخ بغداد 13: 28.

[11] مقاتل الطالبيين: 413.

[12] عمدة الطالب: 177.

[13] الارشاد (ضمن سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد) 11 / 2: 233. تاريخ بغداد 13: 28 - 29. مقاتل الطالبيين: 414413.

[14] في الأصل: (الحديد)، و ما أثبتناه للسياق.