بازگشت

طفولته


قد تتملكك الدهشة للوهلة الأولي، اذا صدرت معاجز من أطفال، و لكن بعد الرجوع الي القرآن الكريم، سرعان ما تزول هذه الدهشة، اذا قرأنا أن المسيح عيسي بن مريم (ع) تكلم في المهد. و أن يحيي آتاه الله الحكم صبيا، و أن اسماعيل (ع) كان ثاقب البصيرة بطفولته و... كثير ذلك في الأنبياء.

و أما الأئمة فبعد الاقرار بعصمتهم [1] لا نري فرقا بينهم و بين الأنبياء من ناحية الكرامات و المعاجز، اذ أن وحدة الهدف و المناط واحدة، و الروح الكمالية التي يمتلكونها واحدة، و القدرة علي الوصول الي الغيبيات واحدة فلما الاستغراب اذن؟

1 - فقد روي الشيخ المفيد عن يعقوب السراج قال: دخلت علي أبي عبدالله (ع) و هو واقف علي رأس أبي الحسن موسي (ع) و هو في المهد، فجعل يساره طويلا، فجلست حتي فرغ، فقمت اليه، فقال أدن الي مولاك، فسلم عليه، فدنوت فسلمت عليه فرد علي بلسان فصيح، ثم قال لي: اذهب فغير اسم ابنتك التي سميتها أمس، فانه اسم يبغضه الله، و كانت ولدت لي بنت فسميتها بالحميراء فقال أبوعبدالله (ع): انته الي أمره ترشد، فغيرت اسمها» [2] .



[ صفحه 38]



ففعل الامام و هي مساراته أمام أصحابه، مع أنه في المهد، و طفل مثله لا يعقل ذاك الكلام الطويل، و قوله (ع) أدن الي مولاك فسلم عليه، ثم تأكيده (ع) انته الي أمره ترشد، كل هذه الأمور ارشاد من الامام الصادق (ع) بأن الأئمة (ع) فاهمون عاقلون في مهدهم، لأن الله تعالي ذخرهم بالعلم ذخرا، و ذقوه ذقا في مهدهم بل قبل ولادتهم (ع).

2 - و في ثاقب المناقب قال: اشتهر عند الخاص و العام من حديث أبي حنيفة حين دخل دار الصادق (ع) فرأي موسي عليه السلام في دهليز داره و هو صبي، فقال في نفسه: ان هؤلاء يزعمون أنهم يعطون العلم صبية و أنا أسبر ذلك، فقال له: يا غلام اذا دخل الغريب بلدة، أين يحدث؟ فنظر اليه نظر مغضب و قال: يا شيخ أسأت الأدب، فأين السلام؟ قال: فخجلت و رجعت حتي خرجت من الدار و قد نبل في عيني، ثم رجعت اليه و سلمت عليه و قلت: يا ابن رسول الله، الغريب اذا دخل بلدة أين يحدث؟ فقال صلوات الله عليه: يتوقي شطوط الأنهار (البلد) و مشارع الماء، وفي ء النزال، و مسقط الثمار، و أفنية الدور، و جاد الطرق، و مجاري المياه و رواكدها، ثم يحدث أين شاء.

قال: قلت: يابن رسول الله ممن المعصية؟ فنظر الي و قال: اما أن تكون من الله، أو من العبد، أو منهما معا، فان كانت من الله فهو أكرم أن يؤاخذه بما لم يجنه، و ان كانت منهما فهو أعدل من أن يأخذ العبد بما هو شريك فيه، فلم يبق الا أن يكون من العبد، فان عفا فبفضله، و ان عاقب فبعدله.

قال أبوحنيفة: فاغرورقت عيناي و قرأت: ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم [3] .

فأبوحنيفة مع تلمذته علي يدي الامام الصادق (ع) و افتخاره بذلك، الا أن الشك بقي يساوره، هل علمهم كسبي و تحصيلي أو أنه الهامي؟

و لما نظر اليه في المرة الأولي لم يعبأ به، بل ناداه يا غلام و بدون سلام، و لكنه في الرجعة الثانية تأدب معه قائلا: يابن رسول الله...



[ صفحه 39]



ثم ان أباحنيفة كان من المجبرة، و قد حاججه الامام الصادق (ع) في ذلك و كانت فكرته هذه مشهورة بين الأوساط بترويجها من قبله، فمع عظم تلك المسألة، سألها للامام الكاظم (ع) عندما رآه أهلا لذلك.

فأعطاه (ع) دليلا عقليا بسيطا، جعله يقر له بالعلم و الحكمة، و لكن مع ذلك لم يرد في التاريخ أنه رجع عن فكرته هذه.

3 - روي أنه كان عالم من علماء النصاري يسمي بريهه، و كان عظيما عندهم، و لكنه كان يشك في صحة دينه في قرارة نفسه، و قد عرفت زوجته ذلك فقالت له: ويحك أتريد أن تكون علي حق أو باطل؟ فقال بل علي الحق، فقالت: أينما وجدت الحق فمل اليه.

فبدأ يسأل العلماء الي أن وصل الي هشام بن الحكم فحاججه فخصمه هشام، ثم قال بريهه لهشام ألك من تصدر عن رأيه؟ فقال له نعم. فأخذه الي المدينة للقاء الصادق (ع) فلقيا موسي ابنه (ع) و كان صغيرا، فحكي له هشام الحكاية، فلما فرغ قال أبوالحسن لبريهه: يا بريهة كيف علمك بكتابك؟ قال: أنا به عالم، قال: كيف ثقتك بتأويله؟ قال: ما أوثقني بعلمي به، قال: فابتدأ موسي (ع) يقرأ الانجيل قال بريهه: و المسيح لقد كان يقرأ هكذا، و ما قرأ هذه القراءة الا المسيح، قال بريهه: اياك كنت أطلب منذ خمسين سنة أو مثلك، قال: فآمن و حسن ايمانه، و آمنت المرأة و حسن ايمانها، قال: فدخل هشام و بريهه و المرأة علي أبي عبدالله (ع) فحكي هشام الحكاية و الكلام الذي جري بين موسي (ع) و بريهه فقال أبوعبدالله (ع) ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم. ثم لزم بريهه الامام الصادق (ع) و بعده الكاظم حتي مات في زمانه فغسله (ع) و كفنه و لحده بيده، و قال: هذا حواري من حواري المسيح (ع) يعرف حق الله عليه، فتمني أكثر أصحابه أن يكونوا مثله [4] .

فان الامام (ع) أحاله علي كتابه في بادي ء الأمر، بعد أن استعلمه بأنه عالم به، و هذا أقوي حجة و أشد بيانا.



[ صفحه 40]



ثم ان اهتمام الامام (ع) به عندما غسله و كفنه ليعطي صبغة خاصة، بأن أهل ملة اذا أسلموا و حسن ايمانهم، لهم عناية مميزة من قبل أهل البيت (ع) لأن ايمانهم جاء عن تمحيص و جهاد حتي أمكنتهم الفرصة من الفوز بهذه الدرجة العالية.

4 - ثم ان الأئمة (ع) منذ نعومة أظفارهم كانوا يميلون عن اللهو و اللعب، و ينشغلون بما هو أهم من ذلك فقد سأل صفوان الجمال الامام الصادق (ع) عن صاحب هذا الأمر، فقال: صاحب هذا الأمر لا يلهو و لا يلعب، فأقبل موسي بن جعفر و هو صغير و معه عناق [5] مكيه فضمه اليه و قال: بأبي و أمي من لا يلهو و لا يلعب [6] .

و هذا الفعل من الامام الكاظم (ع) لم يكن لعبا بالعناق، لكنه يعلم بأنه و ان من شي ء الا يسبح بحمده و لكن لا تفقهون تسبيحهم، ففعل هذا كان موعظة للناس، بأنه ينبغي حتي لهذه الدابة أن تسجد لربها فكيف بكم أيها البشر؟!.

5 - و أراد الامام الصادق (ع) أن يسبر و يمتحن ولده الكاظم (ع) عندما رجع (ع) من المكتب - ادخاله الي المكتب لعله ليتبين تفوقه علي زملائه، أو ليدخل في معترك الحياة كي لا يكون منحازا، بل ليكتسب خبرة اجتماعية - فقد قال الامام الكاظم (ع) دخلت ذات يوم من المكتب و معي لوحي قال: فأجلسني أبي بين يديه و قال: يا بني اكتب: تنح عن القبيح و لا ترده. ثم قال: أجزه [7] فقلت: و من أوليته حسنا فزده.

ثم قال (ع): ستلقي من عدوك كل كيد. فقلت: اذا كاد العدو فلا تكده. فقال (ع). ذرية بعضها من بعض [8] .

6 - و روي عن الامام الرضا (ع) أن موسي بن جعفر عليه السلام. تكلم يوما بين يدي أبيه (ع)، فأحسن، فقال له: يا بني الحمد لله الذي جعلك خلفا من الآباء، و سرورا من الأبناء، و عوضا عن الأصدقاء فهذه



[ صفحه 41]



الرواية تشير الي طفولة الامام حينئذ، و الا لم يكن موضع للاستحسان اذا كان رجلا، ثم نوه الامام (ع) بكونه خليفته الذي يستحق هذا المقام، و أنه الابن المحبوب الذي سر به والده، بل لو تخلي عنه الأصدقاء و الناس أجمع لا يعبأ بذلك بعدما رزقه الله هذا المولود الذي يحمل هم الرسالة.

7 - و كان أئمة أهل البيت موضعا للسؤال و الاكبار من اللد و الند. فلقد روي عيسي الشلقان قال: كنت قاعدا فمر أبوالحسن موسي عليه السلام و معه بهيمة قال: فقلت: يا غلام ما تري ما يصنع أبوك؟ يأمرنا بالشي ء ثم ينهانا عنه: أمرنا أن نتولي أباالخطاب ثم أمرنا أن نلعنه و نتبرأ منه؟ فقال أبوالحسن (ع) ان الله خلق خلقا للايمان لا زوال له، و خلق خلقا للكفر لا زوال له، و خلق خلقا بين ذلك أعارهم الله الايمان يسمون المعارين اذا شاء سلبهم، و كان أبوالخطاب ممن أعير الايمان.

قال: فدخلت علي أبي عبدالله عليه السلام فأخبرته ما قلته لأبي الحسن (ع) و ما قال لي. فقال أبوعبدالله (ع) انه نبعة نبوه [9] فما احتار في الجواب، بل سرعان ما بصرهم ضلالة أبي الخطاب، و وجوب التبرؤ منه، و من عقيدته الي تدعو الي تأليه الأئمة و المغالاة فيهم.

بل ان مزاعم أبوالخطاب كادت أن تنتشر لو لا الحملة التي قام بها الامامان الصادق و الكاظم ضده، و يتبين ذلك من رواية معاوية بن وهب قال: دخلت علي أبي عبدالله (ع) فرأيت أباالحسن موسي (ع) و له يومئذ ثلاث سنين و معه عناق من هذه المكية، و هو أخذ بخطامها و هو يقول لها: اسجدي فلا تفعل ذلك ثلاث مرات. فقال غلام له صغير: يا سيدي قل لها: تموت فقال موسي (ع): ويحك أنا أحيي و أميت؟! الله يحيي و يميت [10] .

فالشيعة الامامية تعتقد أنه بامكان الأئمة (ع) الاحياء و الاماتة، كما كان نبي الله عيسي و ابراهيم (ع) و لكنهم (ع) لما رأوا أن الغلو بدأ ينتشر حاولوا التقليل من علومهم في أعين الناس، لأن القلوب أوعية، فلا يمكن



[ صفحه 42]



أن يملؤا القلوب ما لا يمكنها استيعابه.

في الخرايج: ان قوما من اليهود قالوا للصادق (ع): أي معجز يدل علي نبوة محمد صلي الله عليه و آله و سلم قال: كتابه المهيمن الباهر لعقول الناظرين، مع ما أعطي من الحلال و الحرام و غيرهما مما لو ذكرناه لطال شرحه، فقال اليهود: كيف لنا أن نعلم أن هذا كما وصفت؟ فقال لهم موسي بن جعفر - و هو صبي - و كيف لنا بأن نعلم ما تذكرون من آيات موسي أنها علي ما تصفون؟ قالوا: علمنا بذلك بنقل الصادقين. قال لهم موسي بن جعفر (ع): فاعلموا صدق ما أنبأتكم به بخبر طفل لقنه الله تعالي من غير تعليم و لا معرفة عن الناقلين.

فقالوا: نشهد أن لا اله الا الله و أن محمدا رسول الله، و انكم الأئمة الهادية، و الحجج من عند الله علي خلقه.

فوثب أبوعبدالله (ع) فقبل بين عيني موسي بن جعفر (ع) ثم قال: أنت القائم من بعدي.

فلهذا قالت الواقفة: ان موسي بن جعفر (ع) حي و أنه القائم. و لا شك أن كل امام هو القائم بعد أبيه [11] .


پاورقي

[1] يرجع الي كتاب: فاطمة الزهراء في محنة التاريخ.

[2] الأنوار البهية ص 154.

[3] الأنوار البهية ص 154، مناقب ابن شهرآشوب ج 4 ص 314، البحار ج 48 ص 175.

[4] البحار ج 48 ص 114، الكافي ج 1 ص 227، الأنوار البهية 155.

[5] العناق: الأنثي من أولاد الماعز.

[6] مناقب ابن شهرآشوب ج 4 ص 319.

[7] أجزه: أكمل الشطر الآخر.

[8] عيون أخبار الرضا ج 2 ص 319.

[9] الكافي ج 2 ص 418.

[10] بحارالأنوار ج 48 ص 117.

[11] بحارالأنوار ج 10، ص 245.