بازگشت

حلمه و عفوه


1 - عن معتب قال: كان أبوالحسن موسي (ع) في حائط له يصرم، فنظرت الي غلام له قد أخذ كارة من تمذ فرمي بها وراء الحائط، فأتيته فأخذته و ذهبت به اليه فقلت له: جعلت فداك اني وجدت هذا و هذه الكارة، فقال للغلام: فلان! قال: لبيك قال: أتجوع؟ قال: لا يا سيدي. قال: فعتري؟ قال: لا يا سيدي. قال: فلأي شي ء أخذت هذه؟ قال: اشتهيت ذلك. قال: اذهب فهي لك و قال: خلوا عنه [1] .

2 - روي أن عبدا لموسي (ع) قدم اليه صحيفة فيها طعام حار، فعجل فصبها علي رأسه و وجهه، فغضب، فقال له: و الكاظمين الغيظ، قال: قد كظمت. قال: و العافين عن الناس قال: قد عفوت. قال: والله يحب المحسنين. قال: أنت حر لوجه الله و قد نحلتك الضيعة الفلانية [2] .

3 - روي أن رجلا من آل عمر بن الخطاب كان يشتم علي بن أبي طالب اذا رأي موسي بن جعفر (ع) و يؤذيه اذا لقيه فقال له بعض مواليه



[ صفحه 61]



و شيعته: دعنا نقتله، فقال: لا، ثم مضي راكبا حتي قصده في مزرعة له فتواطأها بحماره، فصاح لا تدس زرعنا، فلم يصغ اليه، و أقبل حتي نزل عنده فجلس معه و جعل يضاحكه.

و قال له: كم غرمت علي زرعك هذا؟ قال: مائة درهم. قال: فكم ترجو أن تربح؟ قال: لا أدري. قال: انما سألتك كم ترجو. قال: مائة أخري. قال: فأخرج ثلاثمائة دينار فوهبها له، فقام فقبل رأسه، فلما دخل المسجد بعد ذلك وثب العمري، فسلم عليه و جعل يقول: الله أعلم حيث يجعل رسالته، فوثب أصحابه عليه و قالوا: ما هذا؟ فشاتمهم، و كان بعد ذلك كلما دخل موسي خرج يسلم عليه و يقوم له.

فقال موسي لمن قال ذلك القول: أيما كان خيرا ما أردتم أو ما أردت؟ [3] فوطؤ الأرض دون اذن صاحبها، أو مع العلم بالكراهة، من الأمور المحرمة لأنه تعد و غصب، و لكن قاعدة التزاحم هي الحاكمة في هذه الحالة، اذ أن الأهم و هو هداية هذا الشخص عن ضلاله و اصلاح ذات شأنه، كان أرجح في نظر الامام (ع) من المهم و هو التصرف في مال الغير دون اذنه، فينقلب الأمر الي الاستحباب بل الوجوب أحيانا للأهمية القصوي.

ثم ان الامام (ع) كان خلقه القرآن و قد قال تعالي: (ادفع بالتي هي أحسن فاذا الذي بينك و بينه عداوة كأنه ولي حميم)، و هكذا كان.

«فالغضب جمرة من الشيطان تتوقد في قلب ابن آدم» [4] «و الغضب أوله جنون و آخره نوم» [5] فلذا بالصبر و الحلم الذي تحلي به الامام (ع) استطاع أن يصل الي مطلوبه و مبتغاه بأسهل طريق.

و قد كان الامام (ع) يوصي أولاده بذلك، فقد أحضر ولده يوما، و كأنهم ظنوا أن الامام (ع) يريد منهم وصية عظيمة ترجع لهم بالمنافع الدنيوية، فقال لهم: يا بني اني موصيكم بوصية من حفظها لم يضع معها: ان أتاكم آت فأسمعكم في الأذن اليمني مكروها، ثم تحول الي الأذن اليسري فاعتذر و قال: «لم أقل شيئا فاقبلوا عذره» [6] .



[ صفحه 62]



فهذه هي الوصية العظيمة التي جمعهم لأجلها، و اختصر فائدتها بقوله «لم يضع معها» فالحلم و الصفح يرفع الانسان و يعزه و يجله، و لا يذله و يضعه أبدا.


پاورقي

[1] بحارالأنوار ج 48 ص 1117 - 115.

[2] شرح نهج البلاغة ج 18 ص 46.

[3] مقاتل الطالبيين ج 13 ص 28.

[4] ميزان الحكمة ج 7 ص 232.

[5] ميزان الحكمة ج 7 ص 232.

[6] كشف الغمة ج 3 ص 9.