بازگشت

مكارم الأخلاق


سأل رجل رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم عن حسن الخلق، فتلا قوله تعالي: (خذ العفو و امر بالعرف و اعرض عن الجاهلين) [1] ثم قال صلي الله عليه و اله و سلم: «و هو ان تصل من قطعك، و تعطي من حرمك، و تعفو عمن ظلمك».

و قال صلي الله عليه و اله و سلم: ان الخلق الحسن ليميت الخطيئة كما تميث الشمس الجليد» [2] .



[ صفحه 164]



و جاء في الكافي عن الامام الباقر عليه السلام قال: «أكمل المؤمنين ايمانا أحسنهم خلقا».

و عن الامام الصادق عليه السلام قال: «ما يتقدم المؤمن علي الله عزوجل بعمل بعد الفرائض أحب الي الله تعالي من أن يسع الناس خلقه».

و الامام الكاظم عليه السلام عني بهذه الظاهرة فكان دوما يوصي أصحابه بالتحلي بالصفات الكريمة ليكونوا بسلوكهم و هديهم قدوة صالحة لهم و للمجتمع، حتي يستطيعوا علي نشر مفاهيم الخير و الصلاح بين الناس.

و في معني الخلق و كيفيته و تهذيبه: قال العلماء: ليس الخلق عبارة عن الفعل، فرب شخص خلقه السخاء، و لا يبذل اما لفقد المال أو لمانع آخر. و ربما يكون خلقه البخل و هو يبذل لباعث أو رياء. و لا عبارة عن القدرة لأن نسبة القدرة الي الضدين واحدة. و لا عن المعرفة فان المعرفة تتعلق بالجميل و القبيح جميعا علي وجه واحد بل هو عبارة عن هيئة النفس و صورتها الباطنة.

و كما ان حسن الصورة الظاهرة مطلقا لا يتم بحسن العينين دون الأنف و الفم و الخلد بل لابد من حسن الجميع ليتم حسن الظاهر، فكذلك لابد في الباطن من أربعة لابد من الحسن في جميعها حتي يتم حسن الخلق فاذا استوت الأركان الأربعة و اعتدلت و تناسبت حصل حسن الخلق و هي: قوة العلم، و قوة الغضب، و قوة الشهوة، و قوة العدل بين هذه القوي الثلاث:

1 - قوة العلم: فحسنها و صلاحها من أن تصبر بحيث يسهل لها درك الفرق بين الصدق و الكذب في الأقوال، و بين الحق و الباطل في الاعتقادات، و بين الجميل و القبيح في الأفعال، فاذا تحصلت هذه القوي حصل منها ثمرة الحكمة التي هي رأس الأخلاق الحسنة «و من يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا» [3] .

2 - قوة الغضب: و أما قوة الغضب و الشهوة فحسنهما في أن يقتصر انقباضهما و انبساطهما علي حد ما تقتضيه الحكمة و الدين.



[ صفحه 165]



3 - قوة العدل: و اما قوة العدل فهي ضبط قوة الغضب و الشهوة تحت اشارة العقل و الشرع، فالعقل منزلته منزلة الناصح و المشير، و قوته القدرة و منزلتها منزلة المنفذ الممضي لاشارته، و الغضب و الشهوة تنفذ فيهما الاشارة.

و مثال الغضب مثال كلب الصيد، فانه يحتاج الي أن يؤدب حتي يكون استرساله و توقفه بحسب الاشارة لا بحسب هيجان النفس. و مثال الشهوة مثال الفرس الذي يركب في طلب الصيد، فانها تارة تكون مروضا مؤدبا، و تارة تكون جموحا، فمن استولت فيه هذه الصفات و اعتدلت فهو حسن الخلق مطلقا، و من اعتدل فيه بعضها دون بعض فهو حسن الخلق بالاضافة الي ذلك المعني خاصة، كالذي يحسن بعض أجزاء وجهه دون البعض.

و حسن قوة الغضب و اعتدالها يعبر عنه بالشجاعة، و حسن قوة الشهوة و اعتدالها يعبر عنه بالعفة، فان مالت قوة الغضب عن الاعتدال سمي ذلك تهورا، و ان مالت الي الضعف و النقصان سمي ذلك جبنا، و ان مالت قوة الشهوة الي طرف الزيادة سمي شرها، و ان مالت الي النقصان سمي خمودا. و المحمود هو الوسط، و هو العدل و الفضيلة، و الطرفان رذيلتان مذمومتان و العدل اذا فات فليس له طرفان بزيادة و نقصان، بل له ضد واحد و هو الجور.

و أما الحكمة فيسمي افراطها عند الاستعمال في الأغراض الفاسدة خبا، و يسمي تفريطها بلها، و الوسط هو الذي يختص باسم الحكمة و الخلاصة أمهات الأخلاق الحسنة و الجميلة و أصولها أربعة: الحكمة و الشجاعة و العفة و العدل.

لم يبلغ كمال الاعتدال من البشر في هذه الأصول الأربعة الا رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم و لهذا أثني الله عليه قائلا: (و انك لعلي خلق عظيم) [4] .

و الناس بعده يتفاوتون في القرب و البعد فينبغي أن يقتدي به. و قد أشار سبحانه و تعالي الي هذه الأخلاق في أوصاف المؤمنين:

(انما المؤمنون الذين آمنوا بالله و رسوله ثم لم يرتابوا و جاهدوا بأموالهم



[ صفحه 166]



و أنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون) [5] .

فالايمان بالله و رسوله من غير ارتياب هو قوة اليقين، و هو ثمرة العقل، و منتهي الحكمة.

و المجاهدة بالمال هو السخاء الذي يرجع الي ضبط قوة الشهوة؛ و المجاهدة بالنفس هي الشجاعة التي ترجع الي استعمال قوة الغضب علي شرط العقل و حد الاعتدال. و قد وصف الله عزوجل به قوما فقال: (أشداء علي الكفار رحماء بينهم) [6] .

و هذه اشارة الي أن للشدة موضعا و للرحمة موضعا، و ليس الكمال بالشدة في كل حال، و لا في الرحمة بكل حال.

و ما نراه اليوم يتمثل عمليا علي أرض لبنان في الجنوب الحبيب و البقاع الغربي الحبيب علي يد أبطال المقاومة المسلمة الذين استعملوا الشدة في موضعها فجاهدوا بأنفسهم بكل شجاعة محكمين غضبهم علي شرط العقل، و مقاومين عناقيد الغضب بدمائهم الزكية الطاهرة فايمانهم في غير ارتياب لقوة يقينهم و هم بالنتيجة الصادقون الصابرون.


پاورقي

[1] الأعراف، الآية: 199.

[2] لمجازات النبوية للشريف الرضي.

[3] الأخلاق للعلامة السيد عبدالله شبر ص 10.

[4] سورة القلم، الآية: 4.

[5] سورة الحجرات، الآية 15.

[6] سورة الفتح، الآية 29.