بازگشت

خاتمة شريفة في فضيلة بقعة الرضا


أعلم أن من جملة الاخبار الدالة علي فضيلة تلك الارض المقدسة، و البقعة المباركة: ما رواه الشيخ رحمه الله في باب الزيارات من التهذيب أن الرضا عليه السلام قال: إن في أرض خراسان بقعة من الارض، يأتي عليها زمان تكون مهبطا للملائكة، ففي كل وقت ينزل إليها فوج إلي يوم نفخ الصور، فقيل له عليه السلام وأي بقعة هذه؟ فقال: هي أرض طوس، و هي و الله روضة من رياض الجنة الخ.

روي أيضا عن الصادق عليه السلام أربعة بقاع من الارض ضجت إلي الله تعالي في أيام طوفان نوح من استيلاء الماء عليها، فرحمها الله تعالي و أنجاها من الغرق و هي البيت المعمور فرفعها الله إلي السماء، و الغري و كربلا و طوس.

قال في الوافي: و لما ضجت تلك البقاع، كان ضجيجها إلي الله من جهة عدم وجود من يعبد الله علي وجهها، فجعلها الله مدفن أوليائه، فأول مدفن بنيت في تلك الارض المقدسة سناباد بناها إسكندر ذو القرنين صاحب السد و كانت دائرة إلي زمان بناء طوس.

قال في معجم البلدان: طوس مدينة بخراسان، بينها و بين نيشابور نحو عشرة فراسخ، و تشتمل علي مدينتين: يقال لاحدهما الطابران، و لآخر نوقان.

و لهما أكثر من ألف قرية فتحت في أيام عثمان، و بها قبر علي بن موسي الرضا و بها أيضا قبر هارون الرشيد.

و قال المسعر بن المهلهل: و طوس أربع مدن منها اثنتان كبيرتان، و اثنتان صغيرتان، و بهما آثار أبنية إسلامية جليلة، و بها دار حميد بن قحطبة، و مساحتها



[ صفحه 322]



ميل في مثله، و في بعض بساتينها قبر علي بن موسي الرضا عليه السلام و قبر الرشيد انتهي.

و كان حميد بن قحطبة واليا علي طوس من قبل هارون، فبني في سناباد بنيانا و محلا لنفسه، متي خرج إلي الصيد نزل فيه، و حميد هذا هو الذي قتل في ليلة واحدة ستين سيدا من ذرية الرسول بأمر هارون الرشيد كما هو في العيون.

قال ابن عساكر في تأريخه: حميد بن قحطبة و اسمه زياد بن شبيب بن خالد بن معدان الطائي أحد قواد بني العباس، شهد حصار دمشق، و كان نازلا علي باب تو ما، و يقال علي باب الفراديس، و ولي الجزيرة للمنصور، ثم ولي خراسان في خلافة المنصور، و أمره المهدي عليها حتي مات، و استخلف ابنه عبد الله و ولي مصر في خلافة المنصور في شهر رمضان سنة ثلاث و أربعين و مائة سنة كاملة، ثم صرف عنها و كانت وفات المترجم سنة تسع و خمسين و مائة انتهي.

و أما أصل بناء القبة المنورة فالظاهر أنه كان في حياته عليه السلام مشهورة بالبقعة الهارونية، كما هو مروي في العيون من أنه دخل دار حميد بن قحطبة الطائي و دخل القبة التي فيها قبر هارون الرشيد.

و أيضا عن الحسن بن جهم قال: حضرت مجلس المأمون يوما، عنده علي بن موسي الرضا و قد اجتمع الفقهاء و أهل الكلام و ذكر أسؤلة القوم و سؤال المأمون عنه عليه السلام و جواباته و ساق الكلام إلي أن قال: فلما قام الرضا عليه السلام تبعته فانصرفت إلي منزله فدخلت عليه، و قلت له: يا ابن رسول الله الحمد لله الذي وهب لك من جميل رأي أمير المؤمنين ما حمله علي ما أري من إكرامه لك، و قبوله لقولك.

فقال عليه السلام: يا ابن الجهم لا يغرنك ماألفيته عليه من إكرامي، و الاستماع مني فانه سيقتلني بالسم و هو ظالم لي، أعرف بعهد معهود إلي من آبائي عن رسول الله صلي الله عليه و آله فاكتم علي هذا ما دمت حيا.

قال الحسن بن الجهم: فما حدثت بهذا الحديث إلي أن مضي الرضا عليه السلام بطوس مقتولا بالسم.



[ صفحه 323]



و بالجملة فالظاهر أن سناباد كانت بلدة صغيرة بطوس، و كانت لحميد بن قحطبة فيها دارا و بستانا، و لما مات هارون الرشيد في طوس دفن في بيت حميد ثم بني المأمون قبة علي تربة أبيه، و لما توفي الامام عليه السلام دفن بجنب هارون في تلك القبة التي بناها المأمون، فلا وجه لما هو الشائع علي الالسنة أن قبته المباركة من بناء ذي القرنين.

و لعل وجه الشبهة أن مرو شاهجان الذي هو من أعظم بلاد خراسان هو من بناء ذي القرنين كما ذكره ياقوت الحموي في معجم البلدان، و كان فيها سرير سلطنته، و من حسن هوائه كان يسميه بروح الملك، بكسر اللام، و باعتبار تقديم المضاف إليه اشتهر بشاة جان.

و فيه أيضا و قد روي عن بريدة بن الحصيب أحد أصحاب النبي صلي الله عليه و آله أنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله: يا بريدة إنه سيبعث بعوث فإذا بعثت فكن في بعث المشرق، ثم كن في بعث خراسان، ثم كن في بعث أرض يقال لها مرو إذا أتيتها فانزل مدينتها، فانه بناها ذو القرنين، وصلي فيها عزير، أنهارها تجري البركة، علي كل نقب منها ملك شاهر سيفه يدفع عن أهلها السوة إلي يوم القيامة.

و قال بعض: هي خير بقاع الارض من بعد الجنات الاربع التي هي سغد سمرقند، و نهر أبلة، و شعب بوان، و غوطة دمشق، من يث طيب الفواكة، و الغلة و جمال النساء و الرجال، و الخيل الجياد، التي توجد فيها و سائر الحيوانات.

و كانت مرو دار الامارة للموك من آل طاهر، و من المحتمل أن إسكندر من حيث كان من المقربين عند الله الهم من عالم الغيب أنه يدفن في هذه البقعة من الارض أحد الائمة صلوات الله عليهم أجمعين فبني هذه البلدة، و سماها سناباد كما رواه الصدوق رحمه الله في إكمال الدين، و فيه يقتله عفريت متكبر، و يدفن في المدينة التي بناها العبد الصالح ذو القرنين و يدفن إلي جنب شر خلق الله و لنعم ما قاله دعبل الخزاعي رضي الله عنه:



[ صفحه 324]





أربع بطوس علي قبر الزكي إذا

ما كنت ترفع من دين علي فطر



قبران في طوس خير الناس كلهم

و قبر شرهم هذا من العبر



ما ينفع الرجس من قبر الزكي و ما

علي الزكي بقرب الرجس من ضرر



هيهات كل إمرء رهن بما كسبت

به يداه فخذ ما شئت أو فذر



و عليه فان إسكندر لم يبن القبة بل إنما هو الممصر لتلك البلدة.

و في الخرائج روي عن الحسن بن عباد و كان كاتب الرضا عليه السلام قال: دخلت عليه، و قد عزم المأمون بالمسير إلي بغداد، فقال: يا ابن عباس ما ندخل العراق و لا نراه، فبكيت و قلت: فآيستني أن أتي أهلي و ولدي قال عليه السلام: أما أنت فستدخلها، و إنما عنيت نفسي، فاعتل و توفي في قرية من قري طوس و قد كان تقدم في وصيته أن يحفر قبره مما يلي الحائط بينه و بين قبر هارون ثلاثة أذرع.

و قد كانوا حفروا ذلك الموضع لهارون فكسرت المعاول و المساحي فتركوه و حفروا حيث أمكن الحفر فقال: احفروا ذلك المكان فانه سيلين عليكم، و تجدون صورة سمكة من نحاس، و عليها كتابة بالعبرانية، فإذا خوتم لحدي فعمقوه وردوها مما يلي رجلي.

فحفرنا ذلك المكان، و كان المحافر تقع في الرمل اللين، و وجدنا السمكة مكتوبا عليها بالعبرانية " هذه روضة علي بن موسي، و تلك حفرة هارون الجبار " فرددناها و دفناها في لحده عند موضع قاله.

و من المعلوم أن حفر الارض، و عمل سمكة من نحاس و كتابة، لا يكون إلا من إنسان و بالجملة فالظاهر أن الحفر المزبور من آثار إسكندر ذي القرنين دون القبة المنورة.

قال في مجالس المؤمنين عند ترجمة الشيخ كمال الدين حسين الخوارزمي أنه مسطور في التواريخ و في الالسنة و الافواه خصوصا عند أهل خراسان أنه مدة أربعمائة سنة لم تكن عمارة لائقة علي قبر الامام علي بن موسي، و بعض الآثار



[ صفحه 325]



التي كانت توجد عليه هي من أساس حميد بن قحطبة الطائي الذي كان في زمان هارون الرشيد حاكما في طوس من قبله و لما توفي دفنه في داره، و من بعده دفنوا الامام عليه السلام في تلك البقعة بجنب هارون.

و يظهر من الخبر المروي عن الرضا عليه السلام أني ادفن في دار موحشة، و بلاد غريبة، أنه في مدة أربعمائة سنة المذكورة لم تكن في حوالي مرقده الشريف دار و لا سكنة، و كانت نوقان في كمال العمران مع أنه ما بين نوقان و سناباد من البعد إلا حد مد الصوت.

و قال في كشف الغمة: إن إمرأة كانت تأتي إلي مشهد الامام عليه السلام في النهار و تخدم الزوار، فإذا جاء الليل سدت باب الروضة و ذهبت إلي سناباد.

و ربما يقال: إن بعض التزيينات كانت توجد في بناء المأمون من بعض الديالمة إلي أن خربه الامير سبكتكين، و ذلك لتعصبه و شدته علي الشيعة و كان خرابا إلي زمان يمين الدولة محمود بن سبكتكين.

قال ابن الاثير في الكامل في ضمن حوادث سنة 431: و جدد عمارة المشهد بطوس الذي فيه قبر علي بن موسي الرضا عليه السلام و الرشيد، و أحسن عمارته و كان أبوه سبكتكين أخربه، و كان أهل طوس يؤذون من يزوره، فمنعهم عن ذلك، و كان سبب فعله أنه رأي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في المنام و هو يقول له: إلي متي هذا؟ فعلم أنه يريد أمر المشهد فأمر بعمارته.

ثم إن هذه العمارة قد هدمت عند تطرق قبائل غز، و جددت في عهد السلطان سنجر السلجوقي قال في مجالس المؤمنين: و إن القبة العالية و البناء المعظم الموجود الآن من آثار شرف الدين أبي طاهر القمي الذي كان وزيرا للسلطان سنجر قال: و كان بناء الوزير المزبور بإشارة غيبية، و أن تعيين المحراب الواقع في المسجد فوق الرأس إنما كان بإشارة من الامام عليه السلام و تعيين علماء الشيعة انتهي.

و في سنة 500 أمر السلطان سنجر السلجوقي بصناعة الكاشي الذي يفوق في الجودة حلي الصيني، و أن يكتب عليه الاحاديث النبوية و المرتضوية و تمام القرآن



[ صفحه 326]



و كان الكاتب لهما عبد العزيز ببن أبي نصر القمي.

و من عجيب أمر ذلك أنه حملت تلك الآلات علي النوق، و أرسلت من قم فجاءت بطي الارض إلي حوالي خراسان، و نزلت في منخفض من الارض بقرب البلدة المقدسة فمر جماعة من المارة علي تلك الناحية فاطلعوا علي صورة الحال فحملوها إلي سيد النقباء السيد محمد الموسوي فبني بها الهزارة الرضوية.

و كان السلطان سنجر ابن الملك شاه السلجوقي مع سعة ملكه قد اختار هذا المكان علي سائر بلاده، و ما زال مقيما به إلي أن مات، و قبره به في قبة عظيمة، لها شباك إلي الجامع، و قبته زرقاء تظهر من مسيرة يوم بناها له بعض خدمه بعد موته و وقف عليها وقفا لمن يقرأ القرآن، و يكسو الموضع.

قال في المعجم: و تركتها أنا في سنة 612 علي أحسن ما يكون.

و استمر بناء سنجر إلي زمان جنكيز خان، فهدمه تولي خان ابن جنكيز خان و ذلك في سنة 617 قال ابن الاثير في الكامل في ما يتعلق بأحوال التتار الذين هم جند جنكير أنه لما فرغوا من نيشابور سيروا طائفة منهم إلي طوس، ففعلوا بها كذلك أيضا، و خربوها و خربوا المشهد الذي فيه علي بن موسي الرضا عليه السلام و الرشيد، حتي جعلوا الجميع خرابا، و مثله في شرح نهج البلاغة.

و في الكتيبة الذهبية الواقعة في منطقة القبة المنورة ما صورته " بسم الله الرحمن الرحيم، من عظائم توفيق الله سبحانه أن وفق السلطان الاعظم، مولي ملوك العرب و العجم، صاحب النسب الطاهر النبوي، و الحسب الباهر العلوي تراب أقدام خدام هذه الروضة المنورة الملكوتية، مروج آثار أجداده المعصومين السلطان بن السلطان، أبو المظفر شاه عباس الحسيني الموسوي الصفوي بها در خان فاستدعي بالمجئ ماشيا علي قدميه من دار السلطنة إصفهان إلي زيارة هذا الحرم الاشرف.

و قد تشرف بزينة هذه العتبة من خلص ماله في سنة ألف و عشر، و تم في سنة ألف و ستة عشرة.



[ صفحه 327]



و في موضع آخر من القبة مكتوب و هو من إملاء المحقق الخوانساري ص من ميامن منن الله سبحانه الذي زين السماء بزينة الكواكب.

و رصع هذه القباب العلي بدرر الدراري الثواقب، أن استسعد السلطان الاعدل الاعظم، و الخاقان الافخم الاكرم أشرف ملوك الارض حسبا و نسبا، و أكرمهم خلقا و أدبا، مروج مذهب أجداده الائمة المعصومين، و محيي مراسم آبائه الطيبي الطاهرين السلطان بن السلطان بن السلطان، سليمان الحسيني الموسوي الصفوي بها در خان بتذهيب هذه القبة العرشية الملكوتية و تزيينها، و تشرف بتجديدها و تحسينها، إذ تطرق عليها الانكسار، و سقطت لبناتها الذهبية التي كانت تشرق كالشمس في رابعة النهار، بسبب حدوث الزلزلة العظيمة في هذه البلدة الطيبة الكريمة في سنة أربع و ثمانين و ألف و كان هذا التجديد سنة ست و ثمانين و ألف كتبه محمد رضا الامامي ".

و مكتوب علي جبهة الباب الواقع في قبلة المرقد الشريف: لقد تشرف بتذهيب الروضة ارضوية التي يتمني العرش لها أمر النيابة و أرواح القدس تخدم جنابه، السلطان نادر الافشاري رحمه الله الملك الغفار سنة 1155 و كتب بعده: ثم بمرور الاعوام، ظهر عليها الاندراس، فأمر السلطان بن السلطان و الخاقن بن الخاقان ناصر الدين شاه قاجار خلد الله ملكه بالتزيين بالزجاجة و البلور لتصير نورا علي نور.

و أرسل السلطان قطب شاه الدكني طاب ثراه ألماسة كبيرة بقدر بيضة الدجاجة هدية إلي الضريح الرضوي و لما استولي عبد المؤمن خان رئيس طائفة الازبكية علي خراسان نهبها من الخزانة في جملة ما نهب.

و لما زار السلطان شاه عباس الصفوي خراسن في الدفعة التي مشي فيها علي قدمه و كان مدم خروجه من إصفهان و دخوله خراسان ثمانية عشر يوما أهدي إليه بعض الخوانين الازبكية تلك الالماسة و لما بلغه أن الالماسة من الاعيان الراجعة إلي الخزانة الرضوية أمر ببيعها في استانبول و اشتري بقيمتها أملاكا و أنهارا تصرف منافعها علي تلك البقعة، و كان ذلك بإجازة بعض العلماء.



[ صفحه 328]



و في فردوس التواريخ نقلا عن بعض التواريخ أنه كان للسلطان سنجر أو أحد وزرائه ولد اصيب بالدق فحكم الاطباء عليه بالتفرج و الاشتغال بالصيد فكان من أمره أن خرج يوما مع بعض غلمانه و حاشيته في طلب الصيد فبينما هو كذلك فإذا هو بغزال مارق من بين يديه فأرسل فرسه في طلبه، وجد في العدو فالتجأ الغزال إلي قبر الامام علي بن موسي الرضا عليه السلام فوصل ابن الملك إلي ذلك المقام المنيع، و المأمن الرفيع الذي من دخله كان آمنا، و حاول صيد الغزال فلم تجسر خيله علي الاقدام عليه، فتحيروا من ذلك، فأمر ابن الملك غلمانه و حاشيته بالنزول من خيولهم، و نزل هو معهم و مشي حافيا مع كمال الادب نحو المرقد الشريف، و ألقي نفسه علي المرقد و أخذ في الابتهال إلي حضرة ذي الجلال و يسأل شفاء علته من صاحب المرقد، فعوفي فأخذوا جميعا في الفرح و السرور و بشروا الملك بما لاقاه ولده من الصحة ببركة صاحب المرقد، و قالوا له: إنه مقيم عليه و لا يتحول منه حتي يصل البناؤون إليه فيبني عليه قبة، و يستحدث هناك بلدا و يشيده ليبقي بعده تذكارا، و لما بلغ السلطان ذلك، سجد لله شكرا و من حينه وجه نحوه المعمارين، و بنوا علي مشهده بقعة و قبة و سورا يدور علي البلد.