بازگشت

من معارف الامام في التوحيد


آمن المسلمون بعقيدة التوحيد و تلقوها بوضوح و بساطة عن نبي الموحدين و داعية التوحيد محمد (ص) و فهموها عن كتاب الله



[ صفحه 45]



الواضح المبين، بلا تفلسف، و لا تعقيد. فهموا هذه العقيدة و ما يرتبط بها من ايمان بالنبوة و الوحي و الآخرة و الجنة و النار، و صفات الله سبحانه و علاقته بأفعال العباد و المكلفين و بالخلق و الرزق و العالم... الخ، فهما قرآنيا، تلقوه عن رسول الله و استوعبوه. و علي مر الايام دخلت الفلسفة المنطق، و نشأ الجدل، و كثرت الآراء و الفرق الكلامية و الاعتقادية فيما يخص صفات الله سبحانه و أفعال العباد و أحوال الآخرة، و تفسير المسائل الاعتقادية، فنسب بعضهم التجسيم الله سبحانه، و قال آخرون أن الله ينزل الي السماء الدنيا علي حمار أبيض، و قال البعض الآخر بالجبر و التفويض، و أنكرت فرقة عذاب القبر، و أنكرت فرق أخري المعاد الجسماني، و نادي آخرون بالتصوف و الرهبنة و اعتزال الدنيا... الخ. و قد تصدي أئمة أهل البيت لهذا الانحراف و لكل التيارات المنحرفة، هم و تلامذتهم، و خصوصا في عهد الباقر و الصادق و الكاظم و الرضا عليهم السلام. و وقفوا بوجهها و ردوها بالدليل و البينة و المنهج العلمي الرصين.

و ها نحن نذكر أمثلة من معارف الامام في التوحيد و الربوبية:

عن الحسن بن عبدالرحمن الحماني قال: قلت لأبي ابراهيم - موسي بن جعفر (ع) -: ان هشام بن الحكم زعم أن الله تعالي جسم ليس كمثله شي ء عالم، سميع، بصير، قادر، متكلم، ناطق، و الكلام و القدرة و العلم يجري مجري واحد، ليس شي ء منها مخلوقا.



[ صفحه 46]



فقال: (قاتله الله، أما علم أن الجسم محدود؟ أو الكلام غير المتكلم؟ معاذ الله، و أتبرأ الي الله من هذا القول. لا جسم و لا صورة، و لا تحديد، و كل شي ء سواه مخلوق، و انما تكون الأشياء بارادته، و مشيئته من غير كلام، و لا تردد في نفس، و لا نطق بلسان). [1] .

و حينما ذكر عنده قوم زعموا أن الله تبارك و تعالي ينزل الي السماء الدنيا فقال:

(ان الله لا ينزل، و لا يحتاج أن ينزل، انما منظره في القرب و البعد سواء لم يبعد منه بعيد، و لا يقرب منه قريب و لم يحتج الي شي ء بل يحتاج اليه كل شي ء و هو ذو الطول لا اله الا هو العزيز الحكيم.

أما قول الواصفين أنه ينزل، تبارك و تعالي عن ذلك علوا كبيرا، فانما يقول ذلك من ينسبه الي نقص أو زيادة. و كل متحرك يحتاج الي من يحركه أو يتحرك به، فمن ظن بالله الظنون فقد هلك، فاحذروا في صفاته من أن تقفوا له علي حد تحدونه بنقص أو زيادة، أو تحريك أو تحرك، زوال و استنزال، أو نهوض أو قعود، فان الله جل و عز عن صفة الواصفين، و نعت الناعتين، و توهم المتوهمين). [2] .

و رد علي الذين فسروا قوله تعالي «الرحمن علي العرش استوي» بأنه جلوس علي عرش يشبه الكرسي. فرد علي ذلك و أوضح:



[ صفحه 47]



(ان معني «الرحمن علي العرش استوي» هو: استولي علي ما دق و جل. [3] أي أن الهيمنة متحققة له علي الوجود بأسره، فالاستواء هنا يساوي وصفه تعالي بذي الطول المهيمن مع قرب و حضور لا يبعد و لا يغيب).

و ناقشه أحد معاصريه في تفسير قوله تعالي «دنا فتدلي فكان قاب قوسين أو أدني». و كان هذا الرجل يقول: أري هاهنا خروجا من حجب، و تدليا الي الأرض، و أري محمدا (ص) رأي ربه بقلبه، و نسب الي بصره فكيف هذا؟

فقال له الامام:

(دنا فتدلي، فانه لم يزل عن موضع، و لم يتدل ببدن).

فقال له الرجل:

أصفه بما وصف به نفسه حيث يقول «دنا فتدلي» فلم يتدل عن مجلسه الا و قد زال عنه، و لولا ذلك لم يصف بذلك نفسه.

فقال الامام:

(ان هذه لغة في قريش، اذا أراد رجل منهم أن يقول: قد سمعت. يقول: قد تدليت، و انما التدلي الفهم. [4] .

و في موضع آخر يوضح العلاقة الحقيقية بين ارادة الله و بين ارادة الانسان، و يفسر كيفية حدوث السلوك البشري، خيره و شره،



[ صفحه 48]



و يؤكد حرية الارادة، و قدرة الانسان علي الاختيار في الفعل و الترك، و أن الله سبحانه لم يصادر ارادة الانسان، و أن هذا الاختيار عند الانسان لا يعني أن الله غير قادر علي منع العباد من فعل الشر، أو اجبارهم علي فعل الخير، و لكن ليبلوهم و يختبرهم، و في ذلك قال (ع):

(ان الله خلق الخلق، فعلم ما هم اليه صائرون، فأمرهم و نهاهم، فما أمرهم به من شي ء فقد جعل لهم السبيل الي تركه، و لا يكونون آخذين، و لا تاركين الا باذنه، و ما جبر الله أحدا من خلقه علي معصيته، بل اختبرهم بالبلوي، و كما قال: «ليبلوكم أيكم أحسن عملا». [5] .

و بهذا البيان العقائدي يقدم الامام المرتكزات الأساسية لتفسير السلوك و يثبت معالم الفلسفة السلوكية للحياة من خلال فهم توحيدي و ايضاح للعلاقة بين ارادة الله و قدرته و علمه، و بين ارادة الانسان و قدرته، و يربط بين القدرة علي الاختيار، و بين الالتزام و المسئولية - الجزاء - و يؤكد علاقة هذا الاختيار البشري و دوره في الكشف عن هوية الانسان و حقيقته الباطنة سلوكا و مواقف، و تعبيره عن محتوي ذاته، بقوله (ع): (و لكن ليبلوهم و يختبرهم).



[ صفحه 49]




پاورقي

[1] الطبري: الاحتجاج / ص 385 / ج 2.

[2] الطبري: المصدر السابق / ص 386.

[3] الطبري: المصدر السابق.

[4] الطبري: المصدر السابق.

[5] الطبري: المصدر السابق / ص 87.