بازگشت

نشأة الإمام موسي الكاظم


هو سابع أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، الكبير القدر العظيم الشأن، الجاد في العبادة المشهور بالكرامات، الكاظم الغيظ والعافي عن الناس، العبد الصالح وباب الحوائج الي الله كما هو المعروف عند أهل العراق.

1 ـ الأب: هو سادس أئمة أهل البيت بعد الرسول(صلي الله عليه وآله) أبو عبدالله جعفر ابن محمد الصادق معجزة الاسلام ومفخرة الإنسانية علي مرّ العصور وعبر الأجيال، لم تسمع الدنيا بمثله فضلا ونبلا وعلماً وكمالا.

2 ـ الاُم: لقد كانت اُم الإمام موسي الكاظم(عليه السلام) من تلكم النسوة اللاتي جلبن لأسواق يثرب وقد خصّها الله بالفضل وعناها بالشرف فصارت وعاءً للإمامة والكرامة وتزوّج بها أبو عبدالله، فكانت من أعزّ نسائه واحبّهن إليه، وآثرهن عنده.

واختلف المؤرخون اختلافاً كثيراً في نسبها فقيل انّها اندلسية، وتكنّي لؤلؤة [1] وقيل إنّها رومية [2] ، وقيل انّها من أجلّ بيوت الأعاجم [3] ، وكانت



[ صفحه 42]



السيدة حميدة تعامل في بيتها معاملة كريمة، فكانت موضع عناية وتقدير عند جميع العلويات، كما انّ الإمام الصادق(عليه السلام) كان يغدق عليها بمعروفه، وقد رأي فيها وفور العقل والكمال، وحسن الايمان وأثني عليها ثناءاً عاطراً، فقال فيها: «حميدة مصفاة من الأدناس كسبيكة الذهب، مازالت الأملاك تحرسها حتي اديت إليّ كرامة من الله وللحجة من بعدي...» [4] ، وقد غذّاها الإمام الصادق بعلومه حتي أصبحت في طليعة نساء عصرها علماً وورعاً وايماناً، وعهد إليها بتفقيه النساء المسلمات وتعليمهن الأحكام الشرعية [5] ، واجدر بها أن تحتل هذه المكانة، وان تكون من ألمع نساء عصرها في العفّة والفقه والكمال.

3 ـ الوليد المبارك: وامتدّ الزمن بعد زواج الإمام بها، وسافر الإمام أبو عبدالله الي بيت الله الحرام لأداء فريضة الحج، فحملها معه، وبعد الانتهاء من مراسيمه قفلوا راجعين الي يثرب، فلمّا انتهوا الي «الأبواء» [6] أحسّت حميدة بالطلق فأرسلت خلف الإمام تخبره بالأمر، لأنه قد عهد اليها أن لا تسبقه بشأن وليده، وكان أبو عبدالله يتناول طعام الغداء مع جماعة من أصحابه، فلما وافاه النبأ المسرّ قام مبادراً اليها فلم يلبث قليلا حتي وضعت حميدة سيداً من سادات المسلمين، وإماماً من أئمة أهل البيت(عليهم السلام).

لقد أشرقت الدنيا بهذا المولود المبارك الذي ما ولد ـ في عصره ـ أيمن، ولا أكثر عائدة ولطفاً علي الاسلام منه.

لقد ولد أبرّ الناس، وأعطفهم علي الفقراء، وأكثرهم عناءاً ومحنة في



[ صفحه 43]



سبيل الله وأعظمهم عبادة وخوفاً من الله.

وبادر الإمام أبو عبدالله فتناول وليده فأجري عليه مراسيم الولادة الشرعية فأذّن في اُذنه اليمني، وأقام في اليسري.

وانطلق الإمام أبو عبد الله عائداً الي أصحابه، وقد علت علي ثغره ابتسامة فبادره أصحابه قائلين:

أسرّك الله، وجعلنا فداك،يا سيدنا ما فعلت حميدة؟

فبشرهم بمولوده المبارك، وعرّفهم عظيم أمره قائلا:

«قد وهب الله لي غلاماً، وهو خير من برأ الله».

أجل انه خير من برأ الله علماً وتقويً وصلاحاً، وتحرّجاً في الدين وأحاط الإمام أصحابه علماً بأن وليده من أئمة أهل البيت(عليهم السلام) الذين فرض الله طاعتهم علي عباده قائلا لهم:

«فدونكم، فوالله هو صاحبكم» [7] .

وكانت ولادته في سنة (128 هـ) [8] وقيل سنة (129 هـ) [9] وذلك في أيام حكم عبد الملك بن مروان.

4 ـ حب وتكريم: وقطع الإمام موسي شوطاً من طفولته وهو ناعم البال يستقبل الحياة كل يوم بحفاوة وتكريم، فأبوه يغدق عليه بعطفه المستفيض، وجماهير المسلمين تقابله بالعناية والتكريم، وقد قدمه الإمام الصادق(عليه السلام) علي بقية ولده، وحمل له من الحب ما لا يحمله لغيره، فمن مظاهر ودّه



[ صفحه 44]



أنه وهب له قطعة من أرض تسمي البسرية، كان قد اشتراها بست وعشرين ألف دينار [10] .

وتكلّم الإمام موسي وهو طفل بكلام أثار اعجاب أبيه فاندفع أبوه قائلا:

«الحمد لله الذي جعلك خلفاً من الآباء، وسروراً من الأبناء، وعوضاً عن الاصدقاء» [11] .

5 ـ صفته: كان أسمر شديد السمرة [12] ، ربع القامة، كث اللحية [13] ووصفه شقيق البلخي فقال: كان حسن الوجه، شديد السمرة، نحيف الجسم.

وحاكي الإمام موسي في هيبته هيبة الانبياء، وبدت في ملامح شكله سيماء الأئمة الطاهرين من آبائه، فما رآه أحد إلاّ هابه وأكبره.

6 ـ نقش خاتمه: «الملك لله وحده» [14] .

7 - كناه: أبو الحسن الأول، أبو الحسن الماضي، أبو ابراهيم، أبو علي، أبو اسماعيل.

8 - ألقابه: أمّا القابه فتدل علي بعض مظاهر شخصيته، وجملة من جوانب عظمته، وهي كما يلي:

الصابر: لأنه صبر علي الآلام والخطوب التي تلقاها من حكام الجور، الذين قابلوه بجميع ألوان الاسائة والمكروه.

الزاهر: لأنه زهر بأخلاقه الشريفة وكرمه المضيء الذي مثل به خلق جده الرسول(صلي الله عليه وآله).



[ صفحه 45]



العبد الصالح: ولقب بالعبد الصالح لعبادته، واجتهاده في الطاعة، حتي صار مضرب المثل في عبادته علي ممرّ العصور والاجيال وقد عرف بهذا اللقب عند رواة الحديث فكان الراوي عنه يقول: حدثني «العبد الصالح».

السيد: لانه من سادات المسلمين، وإمام من أئمتهم، وقد مدحه بهذا اللقب الشاعر الشهير أبو الفتح بقوله:



وإذا كنت للشريف غلاما

فأنا الحر والزمان غلامي [15] .



الوفي: لأنه أوفي إنسان خلق في عصره، فقد كان وفيّاً بارّاً باخوانه وشيعته وبارّاً حتي باعدائه والحاقدين عليه.

الأمين: وكل ما للفظ الأمانة من معني قد مثل في شخصيته العظيمة فقد كان أمينا علي شؤون الدين وأحكامه، وأميناً علي اُمور المسلمين وقد حاز هذا اللقب كما حازه جده الرسول الأعظم من قبل، ونال به ثقة الناس جميعاً.

الكاظم: وانما لقّب بذلك لما كظمه من الغيظ عما فعل به الظالمون من التنكيل والارهاق حتي قضي شهيداً مسموماً في ظلمات السجون لم يبد لاحد آلامه وأشجانه بل قابل ذلك بالشكر لله والثناء عليه، ويقول ابن الاثير: «انه عرف بهذا اللقب لصبره، ودماثة خلقه، ومقابلته الشر بالاحسان» [16] .

ذو النفس الزكية: وذلك لصفاء ذاته التي لم تتلوّث بمآثم الحياة ولا بأقذار المادة حتي سمت، وانبتلت عن النظير.

باب الحوائج: وهذا أكثر ألقابه ذكراً، وأشهرها ذيوعاً وانتشاراً، فقد اشتهر بين العام والخاص أنه ما قصده مكروب أو حزين إلا فرّج الله آلامه



[ صفحه 46]



وأحزانه وما استجار أحد بضريحه المقدس إلا قضيت حوائجه، ورجع الي أهله مثلوج القلب مستريح الفكر مما ألم به من طوارق الزمن وفجائع الايام، وقد آمن بذلك جمهور شيعته بل عموم المسلمين علي اختلاف طبقاتهم ونزعاتهم، فهذا شيخ الحنابلة وعميدهم الروحي أبو علي الخلال يقول:

«ما همّني أمر فقصدت قبر موسي بن جعفر الاّ سهّل الله تعالي لي ما أحب» [17] .

وقال الإمام الشافعي: «قبر موسي الكاظم الترياق المجرَّب» [18] .

لقد كان الإمام موسي في حياته مفزعاً وملجأ لعموم المسلمين وكذلك كان بعد وفاته حصناً منيعاً لمن استجار به [19] .



[ صفحه 47]




پاورقي

[1] مرآة العقول: 1 / 451، معالم العترة.

[2] تحفة الأزهار وزلال الأنهار، للسيد ضامن ابن شدقم، مخطوط، يوجد في قسم المخطوطات، من مكتبة الإمام كاشف الغطاء في النجف الأشرف.

[3] الأنوار البهية: 152.

[4] بحار الأنوار: 48 / 6، اُصول الكافي: 1 / 477، أعيان الشيعة: 2 / 5.

[5] الأنوار الإلهية: 153.

[6] الأبواء: بالفتح ثم السكون،وواو والف ممدودة، قرية من أعمال الفرع بالمدينة، وبه قبر الزاكية آمنة بنت وهب أم النبي العظيم(صلي الله عليه وآله).

[7] بحار الأنوار: 48 / 2، عن بصائر الدرجات: 129، ب 12، ح9.

[8] مناقب آل أبي طالب: 4 / 349، وتهذيب التهذيب: 10 / 34.

[9] اعيان الشيعة: 2 / 5، وعن تحفة الأزهار أنه ولد قبل طلوع فجر يوم الثلاثاء من صفر سنة (127 هـ) وعن بحر الانساب أنه ولد يوم الاحد لسبع ليال خلون من صفر.

[10] دلائل الإمامة: 49 ـ 50.

[11] بحار الأنوار: 48 / 24، عن عيون أخبار الرضا(عليه السلام): 1 / 29.

[12] الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي: 222، أخبار الدول: 112.

[13] مناقب آل أبي طالب: 4 / 348.

[14] أخبار الدول: 112.

[15] أخبار الدول: 113.

[16] مختصر تأريخ العرب: 209.

[17] تأريخ بغداد: 1 / 133 طبعة دار الكتب العلمية بيروت.

[18] تحفة العالم: 2 / 20.

[19] لقد اعتقد أغلب المسلمين أن الله يكشف البلاء، ويدفع الضر بالالتجاء الي ضريح الامام(عليه السلام)، وقال ابن شهر آشوب في مناقبه: رؤي في بغداد امرأة تهرول فقيل: الي أين؟ قالت: الي موسي بن جعفر فانّه حُبس ابني، فقال لها حنبلي: انّه قد مات في الحبس، فقالت: بحقّ المقتول في الحبس ان تريني القدرة، فاذا بابنها قد اُطلق واُخذ ابن المستهزئ بجنايته. المناقب: 4 / 305.