في ذكر ولادته
قال كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي في حقه: هو الامام الكبير القدر، العظيم الشأن، الكثير التهجد، الجاد في الاجتهاد، المشهور بالعبادة، المواظب علي الطاعات، المشهود له بالكرامات، يبيت الليل ساجدا و قائما، و يقطع النهار متصدقا و صائما، و لفرط حلمه و تجاوزه عن المعتدين عليه دعي كاظما، كان يجازي المسي ء باحسانه اليه، و يقابل الجاني عليه بعفوه عنه، ولكثرة عباداته كان يسمي بالعبد الصالح، و يعرف في العراق بباب الحوائج الي الله، لنجح المتوسلين الي الله تعالي به، كراماته تحار منها العقول؛ و تقضي بان له عندالله تعالي قدم صدق لا تزل و لا تزول [1] ، انتهي [2] .
ولد عليه السلام بالأبواء- منزل بين مكة و المدينة - يوم الأحد لسبع خلون من صفر سنة ثمان و عشرين و مائة، امه عليه السلام: حميدة المصفاة البربرية [3] ، و كانت من أشراف الأعاجم.
[ صفحه 180]
قال الصادق عليه السلام: حميدة مصفاة من الأدناس كسبيكة الذهب، ما زالت الأملاك تحرسها، حتي أديت الي كرامة من الله لي، و الحجة من بعدي [4] .
و يظهر من بعض الروايات أن الصادق عليه السلام كان يأمر النساء في أخذ الأحكام اليها.
روي عن أبي بصير، قال: كنت مع أبي عبدالله عليه السلام في السنة التي ولد فيها ابنه موسي عليه السلام، فلما نزلنا الأبواء وضع لنا أبوعبدالله عليه السلام الغذاء [5] و لأصحابه، و كان عليه السلام اذا وضع الطعام لأصحابه أكثره و أطابه، فبينا نحن نتغذي [6] اذ أتاه رسول حميدة: ان الطلق قد ضربني، و قد أمرتني أن لا أسبقك بابنك هذا.
فقام أبو عبدالله عليه السلام فرحا مسرورا فلم يلبث أن عاد الينا حاسرا عن ذراعيه ضاحكا سنه، فقلنا: أضحك الله سنك، و أقر عينك ما صنعت حميدة؟ فقال: وهب الله لي غلاما، و هو خير من برأ الله، و لقد خبرتني بأمر كنت أعلم به منها، قلت: جعلت فداك و ما خبرتك عنه حميدة؟ قال: ذكرت أنه لما وقع من بطنها وقع واضعا يديه علي الأرض، رافعا رأسه الي السماء، فأخبرتها أن تلك أمارة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و أمارة الامام من بعده... الخ [7] .
روي البرقي عن منهال القصاب، قال: خرجت من مكة و أنا [8] أريد المدينة فمررت بالأبواء، و قد ولد لأبي عبدالله [موسي] [9] عليهماالسلام، فسبقته الي المدينة، و دخل عليه السلام بعدي بيوم، فأطعم الناس ثلاثا، فكنت آكل فيمن يأكل، فما آكل شيئا الي الغد حتي أعود فآكل، فمكثت [10] بذلك ثلاثا أطعم حتي أرتفق، ثم لا
[ صفحه 181]
اطعم شيئا الي الغد [11] .
قال الفيروز آبادي: ارتفق: اتكأ علي مرفق يده، أو علي المخدة و امتلأ [12] .
و روي أنه قيل لأبي عبدالله الصادق عليه السلام: ما بلغ بك من حبك ابنك موسي عليه السلام؟، فقال: وددت أن ليس لي ولد غيره حتي لا يشاركه في حبي له أحد [13] .
پاورقي
[1] في المصدر: «و لا يزول» بدل «لا تزل و لا تزول».
[2] كشف الغمة: ج 2 ص 212.
[3] روضة الواعظين: ص 221، و اعلام الوري: ص 286، و المناقب لابن شهر آشوب: ج 4 ص 323.
[4] الكافي: ج 1 باب مولد أبي الحسن موسي بن جعفر عليهماالسلام ص 477 ح 2.
[5] في المصدر: «الغداء».
[6] في المصدر: «نتغدي».
[7] بصائر الدرجات: ج 9 باب 12 ص 440 ح 4.
[8] «و أنا» غير موجودة في المصدر.
[9] ما بين المعقوفتين ساقط من الخطية و المطبوعة، و اثبتناه من المصدر.
[10] في الخطية و المطبوعة «فكنت» و ما أثبتناه هو الصحيح.
[11] المحاسن: باب الاطعام في الخرس ص 418 ح 187.
[12] القاموس المحيط: مادة «رفق» ج 3 ص 236.
[13] كشف الغمة: ج 2 ص 207.