انين الزمن
و تشهد كف الدوانيقي التي بايع بها مرتين لمحمد بن عبدالله و التي بها لعب برأسه المقطوع، ستبقي شاهدة و تشهد علي فسقه حتي يوم الله عندما تنطق أحجار الزيت و تفور المياه في باخمري و تردد السبع... أبي الله الا أن يجعلك - يا ابراهيم - شهيدا علي درب الحسين عليه السلام التي عليها مشي زيد و يحيي، ثم محمد و ابراهيم ثم الحسين صاحب فخ طريق الثورة التي لابد لها من نار توقدها كي تطلع شمس الحق و مهما طال ليل الظالمين فصاحب الزمان (عج) قادم، بيده يمحو الظلام و ينشر العدل باذن الله.
فالله سبحانه جعل محمدا صلي الله عليه و آله و سلم خاتم أنبيائه فأكمل الدين بالاسلام و تمم الأخلاق بمكارمها و سيأتي سميه المخلص ليخلص العالم من الشرور بعد أن ادلهمت بالظلم و المظالم.
سيشرق النور حتما بعد ليلة داكنة يحمل الحق و الحقيقة لنسمع كاظم الغيظ عليه السلام و نردد أقوالا و نجو الدروب الدارسة نبحث فيها عما فقدناه نتلمس الأثر و نقفو الريح و نستظهر الآلام و الأشعار و الأقوال و الأحاديث تارة تغلبنا الدموع و تارة نتميز غيظا بالرغم من كل ما أتي به الرسول صلي الله عليه و آله و سلم فان الاسلام لم ينفث الي دخائل بني أمية فنزعة الجاهلية متجذرة في أعماقهم ينشدها لسان يزيدهم:
لعبت هاشم بالملك فلا
خبر جاء و لا وحي نزل
زندقة بزندقة و سكر و عربدة و حقد علي الاسلام الذي حاول ملوك بني أمية محو سطوره.
[ صفحه 89]
و تسمع برية الله و تنظر سديف بن ميمون رافعا يديه الي السماء: (اللهم قد صار فيئنا دولة بعد القسمة و امارتنا غلبة بعد المشورة و عهدنا ميراثا بعد الاختيار للأمة، و اشتريت الملاهي و المعازف بسهم اليتيم و الأرملة، و حكم في أبشار المسلمين أهل الذمة و تول القيام بأمرهم كل فاسق... الي أن قول: قد استحصد زرع الباطل و بلغ نهايته و استجمع طريده و استوثق و ضرب بجرانه... اللهم فأتح له يدا من الحق حاصدة تجتث سنامه و تهشم سوقه و تبدد شمله و تفرق كلمته ليظهر الحق في أحسن صورته و أتم نوره) [1] .
الحروف جراح نازفة باكية بالدماء من ظلم الأمويين و أما ذوو القربي فظلمهم أشد مرارة و وقعا... و يقول سديف لما خرج ذوالنفس الذكية أيام المنصور في المدينة:
(فانهض ببيعتكم ننهض بطاعتنا
ان الخلافة فيكم يا بني حسن)
و لم يمهله المنصور فأمر عبدالصمد أن يدفنه حيا ففعل ذلك [2] أما في تاريخ ابن عساكر فقد جاء أن المنصور رمي به في بئر بعد أن ضربه.
فمن سمع وصية رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بل من لم يصم أذنيه عن سماعها أوصيكم بأهل بيتي خيرا [3] .
و ها هو أبوسفيان يوم وفاة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يقول:
بنوهاشم لا تطمعوا الناس فيكم
و لا سيما تيم بن مرة أو عدي
فما الأمر الا فيكم و اليكم
و ليس لها الا أبوحسن علي
و هو هو نفسه يرفع عقيرته يوم عثمان ليقول: تداولوها تداول الكرة.. و ذاك حفيده وارث جده... فلا خبر جاء، و لا وحي نزل ويئن الزمن في
[ صفحه 90]
صمت... في حروف من هدم الأصنام و حمل السيف ذابا عن حوضه من رددت الأصداء و الأجواء قول..
لا سيف الا ذوالفقار
و لا فتي الا علي..
ها هي أحرفه تقول: (فصبرت و في العين قذي و في الحلق شجي) و نسمعه يقسم عليه السلام قائلا: (أما و الذي فلق الحبة و برأ النسمة لولا حضور الحاضر و لزوم الحجة بوجود الناصر و ما أخذ الله علي أولياء الأمر ألا يقروا علي كظة ظالم و لا سغب مظلوم لألقيت حبلها علي غاربها و لسقيت آخرها بكأس أولها و لألفوا دنياهم أزهد عندي من عفطة عنز).
و يخرج زيد و يتلوه يحيي و العام اثنان و عشرون و مائة و يخرج محمد و ابراهيم و العام خمس و أربعون و مائة و ما بينهما و ما قبلهما و ما بعدهما.. صراع مرير و سيبقي حتي نهاية العالم يوم يأتي المخلص الامام صاحب الزمان (عج) و بخط الطبري (8 / 270) و بخط ابن الأثير (5 / 96) و يكتب القلم عن خروج زيد و عن ذلك الصراع الدامي بين الحق و الباطل.
يقول رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: (يقتل رجل من أهل بيتي فيصلب لا تري الجنة عين رأت عورته) [4] و يقول صلي الله عليه و آله و سلم للحسين عليه السلام: (يخرج رجل من صلبك يقال له زيد يتخطي هو و أصحابه يوم القيامة رقاب الناس غرا محجلين يدخلون الجنة بغير حساب).
زيد العابد حليف القرآن ثفنات السجود علي جنبيه و أشعة الهدي و التقي و النور في عينيه، يقول البابكي عبدالله بن مسلم: (خرجنا مع زيد بن علي الي مكة، فلما كان نصف الليل و استوت الثريا قال: يا بابكي أما تري هذه الثريا، أتري أحدا ينالها؟ قلت: لا. قال: و الله لوددت أن يدي ملصقة بها
[ صفحه 91]
فأقع الي الأرض أو حيث أقع فأنقطع قطعة قطعة و أن الله أصلح بين أمة محمد صلي الله عليه و آله و سلم) [5] .
و لم نجد أيا من أئمة أهل البيت عليهم السلام عاش حياته بعيدا عن الخوف و الفزع و الارهاق بل كان الظلم و الجور و الاضطهاد يحيق بهم و كل منهم كانت نهاية حياته لسم أو القتل.
لقد حمل أهل البيت الذين هم ثاني الثقلين مهمة اصلاح الأمة، كل امام يوصي بها لامام و كل منهم حبل محدود يتعلق به المؤمن: (لولا علي لهلك عمر)... (لولا السنتان لهلك النعمان).
و من ذلك البيت الطاهر يأتي سابع الأئمة يشرق نوره في الأبواء متلألئا عابرا... للسلام علي آمنة في طهر ثراها... في الأبواء الجدة الطاهرة التي حملت بمحمد صلي الله عليه و آله و سلم...أصدفة تلك أم أن الله سبحانه شاء أن يأتي الطفل. تضعه حميدة البربرية مسلما علي جدته اليثربية آمنة بنت وهب و في ذكري يوم شهادة الحسن... ارادة الله تلك و مشيئته (و الشمس و ضحاها) قال الرضا عليه السلام: الامام كالشمس الطالعة المجللة بنورها العالم و هو في الأفق بحيث لا تنالها الأيدي و الأبصار.
و جاء: (انما كني بهم عليه السلام الشهور لأن بهم دارت السموات و استقرت الأركان و بوجودهم جرت الأعوام و الأزمان و ببركتهم ينتظم نظام عالم الامكان).
يقول شيخ الأزهر [6] : قد يقال ان أئمتكم الاثني عشر أولي بالاتباع من الأئمة الأربعة و غيرهم لأن الاثني عشر كلهم علي مذهب واحد قد محصوه
[ صفحه 92]
و قرروه باجماعهم بخلاف الأربعة فان الاختلاف بينهم شائع في أبواب الفقه كلها فلا تحاط موارده و لا تضبط، و من المعلوم أن ما يمحصه الشخص الواحد لا يكافي ء في الضبط ما يمحصه اثنا عشر اماما.
لقد وقف الأئمة عليهم السلام حياتهم لاصلاح أمتهم فقد كانوا مسؤولين عن رعايتها و صيانة حقوقها و تأمين مصالحها و كانوا لا يقرون علي كظة ظالم و لا سغب مظلوم في زمن حفل بالاستغال و ارغام الناس علي ما يكرهون فكان معاوية و يزيد و مروان و غيرهم من ملوك بني أمية و بني العباس لا يهمهم شأن الرعية أو مصالحها بل كان همهم اشاعة الظلم و الجور، و الانصراف الي اللذة و المجون و علي ذلك تدل قصورهم العامرة بالطرب و الخمور، و الابتعاد عن ذكر الله و اليوم الآخر، بالرغم من أن منطق الحكم الذي يمثلونه و الذي هو حكم اسلامي عهد اليهم القيام بشؤون الدين لكنهم حقيقة لا يمثلونه لا بقليل و لا كثير، فلقد ابتعدوا عن كل سنن الاسلام و أحكامه، و كان موقف الأئمة عليهم السلام موقفا ثابتا متسما بالشدة و الصرامة و عدم المهادنة، فلم يخلدوا الي السكينة أو الدعة، بل أعلنوا المقاومة التي تمثلت بالخروج علي الحكام كمقاومة ايجابية نهجها ثورة الحسين عليه السلام التي أيقظت الجماهير و حركت كرامتها، لتسقط الهوان و الخنوع.
پاورقي
[1] طبقات الشعراء، ص 38 -37.
[2] عمدة الطالب، ص 45.
[3] الارشاد، ص 98.
[4] مقاتل الطالبيين، ص 127.
[5] مقاتل الطالبيين، ص 126.
[6] الشيخ سليم في كتاب المراجعات، ص 41 -40.