بازگشت

الامام و سياسة النضال العباسي


في المناخ السياسي العام يبرز عاملان مهمان في مهمة الاصلاح الديني و التغيير السياسي، و هما:

1 - النضال الايجابي، و يعني بمقومات الاندماج الكلي في العالم السياسي و استيحاء ايجابياته الايدولوجية، و الافادة بالقوة و غير القوة، و في كل المفردات المتفرعة عليهما، في سبيل الكسب السياسي و الانعاش الاقتصادي و الاستيلاء علي السلطة، فالهدف هو السلطان، فما يؤخذ بالقوة يسترجع بالقوة، و الحق يؤخذ و لا يعطي.

و قد يستعين هذا المبدأ بنظرية الغاية التي تبرر الواسطة، و بالوسائل الأخري التي تحقق هذا المبدأ، و لا نريد أن نناقش هذا المبدأ في التسمية و لا في المكاسب المترتبة عليه، فهو نفسه له ايجابيته و له سلبيته بوقت واحد.



[ صفحه 204]



و قد يتوج النضال الايجابي بالأسلوب الدبلوماسي، و قد يعتمد المناورة و الدوران في التماس ما يراد، سواء أكان ذلك حقا أم باطلا!! اذ المهم العائدية بالنفع المرتقب، و قد يغلف هذا المناخ بستار من الضبابية القاتمة، و المجاملة الكاذبة ازاء الغاية المتوخاة بهذا المنهج أو ذاك.

2 - النضال السلبي: و يعني بمفارقة النظام السياسي قولا و عملا و موضوعية، و ذلك يقتضي الاعراض حينا، و الانكار حينا آخر، و قد يدعو الي المقاطعة للحكم في كل شي ء فيجعل حركته مشلولة متعثرة، و بهذا تكون المعارضة الرافضة شعارا و دثارا، و يد يعني بالمطالبة لتحقيق العدل و استنقاذ الحقوق المهدورة، و قد يدعو الي الحياة الحرة الكريمة في ضمن ذلك، و قد يكون مقتصرا علي رفض التعاون و التعامل مع الجهات الحاكمة في مؤسساتها و مرافقها و دواوينها بشكل عام.

و أئمة أهل البيت بالتزامهم منهج التقية لدي تفجر حياة القسر و الارهاب الدموي، قد يلتزمون النضال السلبي خطا في عدة طرق، فينطلقون من مبدأ اضعاف الأنظمة و رفضها، و احكام عزلتها السياسية من قبلهم، و اشعار الشعب المسلم بانكارهم لأعمال السلطان و أعوان السلطان.

و قد يستقبل الأئمة الوجه المشرق للنضال الايجابي لاقامة دولة العدل، كما مثل ذلك أميرالمؤمنين الامام علي (عليه السلام) في قتاله للناكثين و القاسطين و المارقين.

و قد يكون النضال الايجابي انكارا عمليا لبسط حكام الجور و ولاة السوء فيلتجأ الي الكفاح المسلح، كما مثل ذلك سيدالشهداء الامام الحسين بن علي (عليهماالسلام) في ثورة الطف.

و الامام المعصوم هو صاحب القرار وحدة في هذا الاتجاه أو ذاك بما تمليه عليه ضرورة الوظيفة الرسالية الملقاة علي عاتقه، دون النظر للعواطف



[ صفحه 205]



و الأحاسيس و الانفعالات الذاتية، فهي بعيد منها و منزه عنها، فهو حينما يتصرف فبوحي من التكليف الشرعي، و بعناية من التسديد الالهي، ناظرا المصلحة العليا وحدها دون التأثر بالأهواء أو الانصياع للضغوط مهما كان، و كلا المنهجين الذين يسلكهما الامام لهما منطلق واحد هو الحفاظ علي بيضة الاسلام من وجه، و قيادة الأمة بأمانة و اخلاص من وجه آخر.

فالامام اذن مصدر القرار في الجو السياسي المحموم، و له البصيرة النافذة بكيفية تنفيذ القرار سلبا أو ايجابا، فهو قد يتوسط عند السلطان لقضاء حوائج أوليائه، و استنقاذ حقوق المسلمين، و لكنه في الوقت نفسه يمانع ممانعة شديدة من الانضواء تحت راية السلطان، أو الانخراط في ديوانه و حاشيته و بطانته، فذلك شي ء و هذا شي ء آخر.

و الامام الصامد موسي بن جعفر (عليه السلام) قد تبني الأمرين، و سلك النهج بأناة و روية و تطلع سليم.

كان لرجل من أهل الري بقايا أموال يطالبه بها بعض الولاة، فطلب للامام أن يسعفه بمفاتحة الوالي في أمره، فاستجاب الامام ملبيا طلبه. و كتب الي الوالي بالنص الآتي:

«بسم الله الرحمن الرحيم؛ اعلم أن لله تحت عرشه ظلا لا يسكنه الا من أسدي الي أخيه معروفا، أو نفس عنه كربة، أو أدخل عليه سرورا، و هذا أخوك و السلام».

فذهب الرجل برسالة الامام الي الوالي فلبي حاجته، و ما اكتفي بذلك بل قاسمه دينارا بدينار، و درهما بدرهم، و ثوبا بثوب، و أعطاه قيمة ما لم يمكن قسمته، و هو يقول له:

يا أخي هل سررتك؟ فيقول: أي و الله... [1] .



[ صفحه 206]



و لما حمل الامام موسي بن جعفر الي هارون الرشيد، جاء اليه هشام بن ابراهيم العباسي، فقال للامام: يا سيدي قد كتب لي صك الي الفضل بن يونس، تسأله أن يروج أمري!!

قال: فركب اليه أبوالحسن (عليه السلام)، فدخل عليه حاجبه، فقال: يا سيد أبوالحسن موسي بن جعفر بالباب.

قال: ان كنت صادقا فأنت حر...

فدخل الامام، فخرج اليه الفضل بن يونس حافيا، و وقع علي قدميه يقبلهما، فقال له الامام: اقض حاجة هشام بن ابراهيم فقضاها [2] .

هذه الايجابية بهذه الحدود، كانت بتقدير الامام وساطة ناجحة لاستباق الخيرات و المسارعة بانجازها، و قضاء حق من حقوق الأخوة في الله، و فيها تنفيس كرب و اغاثة ملهوف.

و لكن الامام يقف الموقف الصارم و الحازم تجاه الانضمام لعمل السلطان، و الانضواء في رف معيته و سطوته.

فقد حدث زياد بن أبي سلمة، قال:

«دخلت علي أبي الحسن موسي (عليه السلام)، فقال: يا زياد انك لتعمل عمل السلطان؟

قلت: أجل؛ قال لي: و لم؟ قلت: أنا رجل لي مروة و علي عيال، و ليس وراء ظهري شي ء. فقال لي: يا زياد لئن أسقط من حالق فأنقطع قطعة قطعة؛ أحب الي من أتولي لأحد منهم عملا، أو أطأ بساط رجل منهم، الا لماذا؟ قلت: لا أدري جعلت فداك، قال: الا لتفريج كربة عن مؤمن، أو فك أسرة، أو قضاء دينه.



[ صفحه 207]



يا زياد: ان أهون ما يصنع الله بمن تولي لهم عملا أن يضرب عليه سرادق من نار الي أن يفزع الله من حساب الخلائق.

يا زياد: فان وليت شيئا من أعمالهم فأحسن الي اخوانك، فواحدة بواحدة، و الله من وراء ذلك.

يا زياد: أيما رجل منكم تولي لأحد منهم عملا ثم ساوي بينكم و بينهم فقولوا له: أنت منتحل كذاب.

يا زياد: اذا ذكرت مقدرتك علي الناس فاذكر مقدرة الله عليك غدا، و نفاد ما أتيت اليهم عنهم، و بقاء ما أتيت اليهم عليك» [3] .

ان هذا التحدير المخيف الصادر عن الامام موسي بن جعفر (عليه السلام) تجاه مغبة العمل عند السلاطين، و الانخراط في صفوف الظلمة، لحري بكل مسلم أن يجعله نصب عينيه و هو يتولي المسؤولية في الحكم، أية مسؤولية أصغيرة كانت أم كبيرة، لأنه قد ينحرف و تأخذه العزة بالاثم، أو قد يتيه بولايته علي الآخرين فيضل عن الطريق السوي، و ما أكثر من تورطوا في هذا الانهيار السحيق فتجاهلوا الخدمة العامة، و حدبوا علي المصالح الذاتية، و لم يعيروا أذنا صاغية لظلامات الناس و مشكلات الأمة، فصاروا من جبابرة الأرض، متجاهلين أن المسؤولية عبارة عن نيابة فعلية عن الشعب يفترض فيها الاحسان الي الاخوان، و تفريج كروب الانسان، و درء أحداث الزمن عن الأسري و ذوي الاحتياج، و ما يجري هذا المجري في ضوء توجيه الامام.

و لو استعرضت مصادر حياة الامام في هذا الملحظ الخاص لرأيت عجبا كبيرا فيما يستفز الامام من تولية أبسط الأمور لدي الحاكمين، و قد لا نري فيها بأسا كثيرا، و لكنه ينكرها و يشجبها و يستحسن تركها و الاعراض عنها.



[ صفحه 208]



فهذا صفوان الجمال، و منزلته لدي من عاصر من الأئمة غير مجهولة، و هو علي قدر عظيم، و مع هذا فان الامام يتجه نحوه بالقول:

«يا صفوان؛ كل شي ء منك حسن جميل ما عدا شيئا واحدا!!

قال صفوان: جعلت فداك؛ أي شي ء؟

قال الامام: كراؤك جمالك من هذا الطاغية (الرشيد).

قال صفوان: و الله ما أكريته أشرا، و لا بطرا، و لا للصيد، و لا للهو، و لكن أكريته لهذا الطريق - يعني طريق الحج - و لا أتولاه بنفسي، و لكن أبعث معه غلماني.

فقال له الامام: أيقع كراك عليهم؟

قال صفوان: نعم جعلت فداك.

قال الامام: أتحب بقاءهم حتي يخرج كراك؟

فقال الامام: من أحب بقاءهم فهو منهم، و من كان منهم كان واردا للنار» [4] .

فما كان من صفوان الا أن باع جماله و ترك المهنة، و كان هذا النكير من الامام و التشديد فيه لئلا ينتظم أولياؤه في عداد أولياء الظلمة و أعوانهم، و هو ما تحرمه الشريعة الغراء.

و لئن حقق الامام موسي بن جعفر (عليه السلام) عزل النظام في نضاله السلبي هذا، فانه قد اخترق هذا النظام من الداخل بما لم يسبق اليه تأريخ الامامية السياسي، و كان ذلك باقرار من الامام، حيث استطاع اولياءه المقربون أن يصلوا الي أعالي مراكز السلطة، و أن يكافحوا أمن النظام العباسي ضدهم بالأمن المضاد الذي ستراه في المبحث الآتي.



[ صفحه 209]




پاورقي

[1] ظ: المجلسي / بحارالأنوار 48 / 174 عن الاختصاص.

[2] ظ: الكشي / الرجال / 311، البحار 109 / 48.

[3] الكليني / الكافي 5 / 109، المجلسي / البحار 48 / 172 - 173.

[4] ظ: الكشي / الرجال / 276.