بازگشت

من معالم و اتجاهات الفكر السياسي الاسلامي عند الامام الكاظم


نجد من خلال استقرائنا لمسار الحركة التاريخية في ذلك العهد، أن هناك ظروفا موضوعية، ذات ثوابت كمية و كيفية، حكمت التوجه السياسي العام عند امامنا الكاظم عليه السلام، و أثرت علي مجمل تحركه السياسي (علي الرغم من أنه لم يتحرك سياسيا بالمفهوم الذاتي للكلمة، كمدلول سياسي ثوري بالمعني الواقعي) في خط الدعوة الي بناء الوعي الاسلامي المتيقظ و الملتزم.

فهو عليه السلام لم يدخل اطلاقا الي مستنقع الخلافات و الخصومات و النزاعات الذاتية في دائرة المعترك السياسي و الأمني مع أولئك المجرمين، بالرغم من أن السلطات الحاكمة كانت تعتبره الخطر الأكبر علي مصالحها و منافعها، طبعا عدم دخوله الي ذلك الواقع لا يعني، بحال من الأحوال، أنه كان ضد ممارسة السياسة و الحكم، أو أنه عليه السلام قد اعتزل النشاط السياسي بوعي و تسليم و خضوع لسلطة (الحكم) الآخر، بل كان يقف، ضد ذلك، آنيا



[ صفحه 96]



و وقتيا، أي تحت ظل ذلك العهد البائد الظالم فقط، فالظروف الضاغطة العامة، كما أسلفنا، اقتضيت التوقف عن الدعوة سياسيا بالمعني الواقعي للكلمة، لذلك كان عليه السلام يري ضرورة ملحة في البدء بعملية دعوة تبليغية صامتة «التقية السياسية» [1] ذات بعد داخلي و خارجي، لأنها تشكل أقرب الطرق و أيسرها للوصول الي عملية تغيير الواقع القائم، و قربها من استلام زمام الحكم و ممارسة العمل السياسي و لو بعد فترة طويلة، انها مرحلة التخطيط لبناء التصورات الأولي للكتلة الملتزمة، و لتربية سلوكها و تنمية وعيها و حماية وجودها و توسيع قاعدتها الشعبية، و بالتالي اعطائها اطارها العام و معالمها و خصائصها الفكرية و الاجتماعية في كل الواقع الاسلامي، و هذا ما حدث فعلا، فالبرغم من حالة التضييق و الحصار و فرض الاقامة الجبرية، بدأ الكاظم - كما يؤكد الرواة - حملة علمية واسعة [2] ، و اتسعت شهرته في الحجاز و العراق و جميع المناطق، و قصده العلماء و طلاب العلم، و رجع الي القول بامامته أولئك الذين أنحرفوا عنه بالأمس، و التف حوله الشيعة يجبون خمس أموالهم و زكاتهم، كل ذلك من أجل السعي - كما ذكرنا - لبناء المعالم الفكرية و الاجتماعية للقاعدة الشيعية المنتمية الي أهل البيت عليهم السلام.



[ صفحه 97]




پاورقي

[1] كان (ع) يقوم بعملية التبليغ و ايضاح الأمور للناس لكن مع ممارسة التقية، أي العمل قدر الامكان دون أن يتوفر أي مستمسك أو ذريعة ضده، لا أن يذهب المرء الي النوم و الراحة و الاسترخاء حتي في أصعب الظروف، لأن التقية تعني - كظاهرة من ظواهر التمسك و معالم الارتباط المتين بالرسالة - أن تمتلك حصنا منيعا و ركنا وثيقا تلتجي ء اليه، كمستضعف، للحفاظ علي مشاريعك الرسالية و معلوماتك السرية الحيوية كوسيلة من وسائل حماية الحركة الدينية أو السياسية أو الاجتماعية في قضية الوجود لشامل في مستواها الشمولي، من خلال ايجاد بعض المفردات و العناوين التي تتحرك، في الواقع، علي الصعيد الثقافي و السياسي، و ذلك بممارسة الايحاء الخارجي بأن الفرد أو الجماعة قد تتكلم بشي ء بخلاف ما تتمناه أو يخالف ما تنهجه و ما تؤمن به من عمل، بهدف التخفيف من الضغط و القسر و الاكراه الذي تتعرض له، و قد مارس امامنا الكاظم عليه السلام هذا النمط الواعي من التخطيط المنضبط في اطار دعوته الرسالية، كما و أمر أصحابه ممارسته أيضا، [راجع سيرة الأئمة الاثني عشر للحسني، (ج: 2 ص: 323)، و المناقب: (ج: 2)].

[2] راجع المناقب (ج: 2)، و ارشاد الشيخ المفيد.