بازگشت

كلمة التمهيد: أيها الإمام المقهور الشعاع


بادي ء ذي بدء أقول: عليك السلام أيها الإمام، ثم ارجوك أن تستمع إلي: لقد أحببت الدخول إليك من دون أن أقرع الباب، لأني لم أرك يوما من أيام عمرك المكدود، أقفلت بوجه الغير لوحة باب؛ من هنا كان لي أن أفهم أن بيتك المقصود، لا يجوز أن تحجبه عنا السدود، و لا أن تحجمه الحدود.

و لكني الآن - و بعد لأي من السنين - وجدت نفسي أمام باب بيتك بالذات أيها الإمام، و هاتف من صدي الحق يحفزني للدخول... فقلت في ظني: و هل يجوز الدخول من دون قرعة باب توقظ الإمام من سبات طوله اكثر من ألف عام؟!!

عفوك أيها الإمام... و قرعت الباب الذي لم يكن جائزا أن يقرع... و من فرط دهشتي الخالية من نباهة الذات، وجدتني - وجها لوجه - واقفا أمامك، و في عينيك يقظة واسعة - يشير إلي اتساعها - تقول: بأنك حتي الآن لم تذق طعم الوسن!

و تأكد لي أيها الإمام - و أنا استرجعك إلي خاطري من خلف طيات



[ صفحه 20]



السنين - بأن ما نذرت له عمرك، هو الباقي لك في ممرات السنين، و هكذا ربطت ذاتك بالموارد ذاتها التي تعيش بها و تحيا، و بها تستمر و تخلد كل مجتمعات الإنسان.

انا لا أظن - ابدا - أن الإنسان يعيش و يحيا بغير انسانية لا تحققها له إلا مجتمعيته؛ و انت - ايها الإمام المندي - ما ضننت بنور شع من ناظريك، إلا و أقمته ضوءا لانارة عتمات الدرب الذي تمشي عليه اقدام الأمة، و هي - بحق - كل المجتمع الذي هو هيكل الأمة.

و الأمة؟ انها وحدها التي اشتق منها النبي الكريم مهمة الأمامة، و حددها باثني عشريتها المرهونة بمتانة التأسيس، و التركيز، و الانطلاق؛ و ها أنت الآن أيها الإمام، سابع مضي ء فيها... و لا اقصدك «بالسابع» رقما حسابيا قائما بذاته، بل وحدة اجتماعية انضمامية في مخطط واحد يكر، لا يجد وحدويته إلا بالتصاق الأمة بالمجتمع... و الأمة أو المجتمع - رغم الملايين المتنامية من افراده - هو واحد مفرد، لا يعززه إلا الالتصاق النامي بذريرات الطحين، إلي رغيف واحد، ما طيبه خبزا إلا التصاق الخمير بالطحين.

ما أسعدني الآن أراك أيها الإمام - و قد استعدتك من غيبوبات السنين - تسكب عمرك كله في خدمة المخطط المرسوم في غار حراء، من اجل التنقل بالأمة، من واقع بدوي جاهلي، كبلها بانحطاطات ما افترق كثيرا - فيها - انسانها عن الحيوان، إلي واقع آخر، سيتدرج رويدا رويدا إلي بحبوحة حضارية، يركزها العلم، و الدين المفسر بالوعي الروحي المنور بالصدق، و الخلق الكريم، و الاستقامات المركزة علي المفاهيم الإنسانية المؤمنة بحقيقة المجتمع، و هو ابن جغرافية، ارضية، واضحة الحدود، ياخذ منها



[ صفحه 21]



أود عمره، و كينونة وجوده، و ليس له إلا فوقها سبب راحته و معني استمراره و خلوده.

تلك هي القيم التي رحت تشتهر بها أيام الإمام، و أنت تتشهي ترسيخها في الأمة، حتي بها تتمكن من متانة البلوغ... و لقد بدا لي انها لم تكن شحيحة في مداميكك، و انها - وحدها - قد وسعت باب بيتك، و جعلته مفسوحا من غير حدود.

من هنا - بالذات - رحت اسأل الأيام عنك... و لست أعني بالأيام غير السجلات التي تحفظ في غرابيلها رزمة الأخبار.

و لكن الأيام كلها، لم يكذب، و لا واحد منها، أي خبر عنك، فكل واحد من غرابيلها أجمع علي أن المواهب كلها قد نلتها: صدقا، و عمقا، و ألوان نصاعة: فانت الذكي الذكي، آمنت بالرسالة، و ما مشيت إلا بها، و آمنت بالمجتمع، و ما نذرت عمرك إلا لتركيزه علي الأسس السليمة التي ستنهض به إلي عمران، و آمنت بالحق، و شددت باعيك بمطلق بطولة، دفاعا عنه. حتي و لو ابتلعتك بطون السجون...

عجبا - رحت أردد في تطوافي المتأمل - و لم أتأخر - حتي في هذه اللحظة الخاشعة - عن أن أطرق بابك حتي تطل علي أيها الإمام، فأطرح عليك سؤالي المبطن بما يشبه آهات الحزن الباكي علي الاطلال، و كنت أوجس في ظني، أن الاطلال ما أضاعها غير البكاء علي الأطلال!!!

و طرحت السؤال العالق منذ أكثر من الف سنة في شعاب البال: لماذا أيها الإمام، و أنت في تمام الصدق، و تمام العزم، و تمام التعبير عن توق اصيل يدفع الأمة من هيضة سفلي إلي رتبة فضلي - يبهو بها عنق المثال؟!

اجل أيها الإمام، و انت متين القصد، و عزيز المثال... لماذا لم تستجب في تحقيق نجاواك، و كان لك - بدلا عن ضعف المنال - ضعف الانخزال!!!



[ صفحه 22]



يا للجزاء: تلونه السجون بغياهبها! و تنديه الأفاعي بهذاك الزعاف!!!

لم تجبني أيها الإمام الماثل أمامي كما الرمح المصقول و الباقي - وحده - في طرف الميدان... و اكتفيت بان رمقتني بعينين، فيهما من لؤلؤ الدمع رجاء آخر. علي أن أفسره، و أستجلي منه الجواب!

فهمت أيها السيد - من صمتك الحزين، و من تلفلفك بلحظات الاصطبار، و من ماهيات تقبلك و طآت الهزيمة، - أن الانتظار - وحده - هو الموصل الأمة إلي اهدافها المهتزة برجاء الانتظار!!!

و ما هو الانتظار؟ و لكنه هو ذاته الذي آمن به جداك الإمامان العظيمان: الإمام زين العابدين، و الإمام محمد الباقر،... ليكون مع ابيك الإمام جعفر، خطا مفسرا بجامعة علمية؛ تنشر القراءة، و الكتابة، و الثقافة، و ديباجة العلم، و روعة التدوين... سيكون للأمة رويدا رويدا - ما يقيتها، و ينميها، و يلونها: بالوعي و التثقف، و الادراك... و رويدا رويدا - أيضا - ستكون لها يقظات بينات تعلمها كيف تفتح عينيها، و اذنيها، و كيف تسدد قدميها علي الدروب المزدانة بالحق، و النبل، و الكرم المزهي...

إنها الامة - ساعتتلك - يوضح لها الوعي المصيب: اهدافها الحياتية، و انها ذاتها - هذه الأهداف - هي التي يكبلها الجهل باغلاله السود، و لن يخففها منه إلا مجال يحمله - رويدا رويدا - الانتظار!!!.

و فهمت أيها السيد: أن الأمة كلها - بماضييها البائسين، الأموي و العباسي، و بحاضرها الآن، و هو لا يزال ملقوطا بذاتية التشريد - انما هي لا تزال حتي الآن في الانتظار...

اما الانتظار - بحد ذاته - فهو ان نعي نحن [نحن الأمة] ما تعني أنت أيها الإمام من صوابية الانتظار.



[ صفحه 25]