بازگشت

وفاة الامام موسي بن جعفر


لقد اتسعت شهرة الامام الكاظم (ع) و أصبح حديث القريب و البعيد و كانت الاخماس تجبي اليه بنحو لم يعهد له نظير من قبل، و بعد ان شحن الوشاة الرشيد عليه بما فيهم محمد بن اسماعيل او علي بن اسماعيل و يحيي بن خالد كما ذكرنا صمم الرشيد علي اعتقال الامام و التخلص منه، فذهب الي المدينة في طريقه الي مكة سنة 170 كما جاء في رواية ابن الجوزي في تذكرته بعد ان مضت سنت سنوات او سبع سنوات من ملكه كان ينقله فيها من حبس الي حبس، و لما دخل المدينة استقبله اهلها و رحبوا بقدومه و كان الامام مع المستقبلين كما تشير الي ذلك بعض المرويات، و مضي الامام بعد ذلك الي المسجد كعادته، و خلال تلك الليلة ذهب الرشيد لزيارة قبر النبي (ص) و قال كما جاء في رواية المفيد: اني اعتذر اليك يا رسول الله من شي ء اريد ان افعله، اني أريد أن أحبس موسي بن جعفر فلقد بلغني أنه يدعو الناس لنفسه يريد بذلك تشتيت امتك و سفك دمائها، ثم رجع و أمر جلاوزته فأخذوه من المسجد و أدخلوه عليه فاستدعي قبتين جعله في احداهما علي بغل و جعل القبة الاخري علي بغل آخر، و أخرج البغلين من داره و عليهما القبتان مستورتان و مع كل واحدة منهما جماعة من جنده علي خيولهم، و أمرهم ان يتجهوا بالبغلة التي عليها الامام الي البصرة، و يتجهوا بالبغلة الثانية الي الكوفة، و أمر الذين



[ صفحه 336]



كانوا مع الامام ان يسلموه الي عيسي بن جعفر بن المنصور، و كان علي البصرة يوم ذاك فسلموه اليه فوضعه في حبسه و بقي عنده سنة كاملة و كتب اليه الرشيد بقتله، فاستدعي عيسي بن جعفر جماعة من خواصه و ثقاته و استشارهم فيما كتب اليه الرشيد فأشاروا عليه بالتوقف عن ذلك والاستعفاء منه، فكتب عيسي بن جعفر الي الرشيد كتابا يقول فيه: لقد طال أمر موسي بن جعفر و مقامه في حبسي و قد اختبرت حاله و وضعت عليه العيون خلال هذه المدة فما وجدته يفتر عن العبادة و وضعت من يسمع منه ما يقول في دعائه، فما دعا عليك و لا علي و لا ذكرنا بسوء، بل كان يدعوا لنفسه بالمغفرة و الرحمة، فان انفذت الي من يتسلمه مني و الا خليت سبيله فاني متحرج من حبسه.

و جاء في بعض الروايات ان بعض عيون عيسي بن جعفر رفع اليه أنه سمعه يقول في دعائه: اللهم اني كنت أسألك ان تفرغني لعبادتك و قد فعلت ذلك، و مضي الراوي يقول: فلما وصل الكتاب الي الرشيد وجه من تسلمه من عيسي بن جعفر و جره الي بغداد فسلمه الي الفضل بن الربيع و بقي عنده مدة طويلة.

و أضاف الي ذلك المفيد في ارشاده انه اراد من الفضل بن الربيع ان ينفذ فيه أمره فأبي عليه، فكتب اليه يأمره بتسليمه الي الفضل بن يحيي، فتسلمه منه و وضعه في حجرة من داره و كلف من يراقبه، و كان مشغولا بالعبادة يحيي الليل كله بالصلاة و قراءة القرآن و الدعاء و يصوم اكثر الايام و لا يصرف وجهه عن المحراب، فوسع عليه الفضل و أكرمه، فاتصل ذلك بالرشيد و هو بالرقة فكتب اليه ينكر عليه توسعته عليه و أمره بقتله فامتنع من ذلك، فاغتاظ الرشيد و دعا مسرور الخادم و قال: اخرج في هذا الوقت الي بغداد وادخل من فورك علي موسي بن جعفر فان وجدته في دعة و رفاهية فأوصل هذا الكتاب الي العباس بن محمد و أمره بامتثال ما فيه و سلم اليه كتابا آخر الي السندي بن شاهك يأمره فيه بطاعة العباس، فمضي مسرور الي



[ صفحه 337]



بغداد و نزل دار الفضل بن يحيي و لا يدري احد ما يريد، ثم دخل علي الامام موسي بن جعفر فوجده كما بلغ الرشيد، فمضي من فوره الي العباس ابن محمد والسندي بن شاهك و أوصل اليهما الكتابين فلم يلبث ان خرج الرسول يركض الي الفضل بن يحيي فركب معه و خرج مدهوشا حتي دخل علي العباس بن محمد فدعا العباس بسياط و عقابين و أمر بالفضل فجرد و ضربه السندي بين يديه مائة سوط و خرج متغير اللون و جعل يسلم علي الناس يمينا و شمالا، و كتب مسرور بالخبرالي الرشيد، فأمر بتسليم موسي بن جعفر الي السندي بن شاهك و جلس الرشيد مجلسا حافلا، و قال: ايها الناس ان الفضل بن يحيي قد عصاني و خالف امري و رأيت ان العنه فالعنوه فلعنه الناس من كل ناحية حتي ارتج البيت و الدار و بلغ والده يحيي بن خالد الخبر فركب الي الرشيد و دخل من غير الباب الذي يدخل منه الناس و جاءه من خلفه و هو لا يشعر به، ثم قال له: التفت يا اميرالمؤمنين الي، فاصغي اليه فزعا، فقال له: ان الفضل حدث و أنا اكفيك ما تريد، فانطلق وجهه و سر بذلك و أقبل علي الناس و قال: ان الفضل كان قد عصاني في أمر فلعنته و قد تاب و أناب الي طاعتي فتولوه، فقالوا: نحن اولياء من واليت و أعداء من عاديت و قد توليناه.

ثم خرج يحيي بن خالد البرمكي الي بغداد فماج الناس و أرجفوا بكل شي ء و أظهروا انه جاء لتعديل السواد و النظر في أمر العمال و تشاغل بذلك أياما، ثم دعا السندي بن شاهك فأمر فيه بأمره فامتثله، و كان الذي قام به السندي ان دس اليه السم في طعام قدمه اليه فأكل منه، و جري مفعول السم في بدنه فلم يمهله سوي ثلاثة ايام، و لما توفي ادخل عليه السندي جماعة من فقهاء بغداد و أعيانها، و قال لهم: انظروا اليه هل ترون به اثرا لضربة سيف او لطعنة رمح؟ فقالوا: لم نجد به شيئا من ذلك، و طلب منهم ان يشهدوا بموته حتف انفه فأجابوه لذلك.

ثم أخرج جثمانه الشريف و وضعه علي الجسر ببغداد و نودي عليه:



[ صفحه 338]



هذا موسي بن جعفر قد مات فانظروا، فجعل المارة ينظرون اليه فلا يجدون به اثرا يوحي بقتله.

و في رواية ثانية ان يحيي بن خالد امر من ينادي عليه: هذا موسي بن جعفر الذي تزعم الرافضة انه لا يموت فانظروا اليه، ثم حملوه و دفنوه في مقابر قريش عند باب التين و كان مقبرة لبني هاشم و أشراف الناس.

و جاء في تاريخ بغداد للخطيب: ان موسي بن جعفر بعث من الحبس برسالته الي الرشيد يقول فيها: لئن ينقضي عني يوم من البلاء حتي ينقضي عنك معه يوم من الرخاء و نمضي معا الي يوم ليس له انقضاء لا يخسر فيه الا المبطلون.

و قال اليعقوبي في تاريخه: قيل للامام موسي بن جعفر بعد ان مكث مدة طويلة في سجون الرشيد المظلمة: لو كتبت الي فلان ليكلم الرشيد فيك، فقال: حدثني ابي عن آبائه ان الله اوصي الي داود انه ما اعتصم عبد من عبادي بأحد من خلقي دوني الا قطعت عنه اسباب السماء واسخت الأرض من تحته، و كانت وفاته سنة 183 و قيل سنة 186 عن خمس و خمسين سنة و قيل غير ذلك، و بقي في حبس الرشيد مدة تتراوح بين سبع سنوات و عشر سنوات، و ترك من الأولاد سبعة و ثلاثين ما بين ذكر و انثي و كان افضلهم و أجلهم قدرا و اعظمهم شأنا علي بن موسي (ع) الامام الثامن من ائمة اهل البيت عليهم السلام.